السؤال
كيف لمشايخنا الكبار ولعلماء الأمة أن يذكروا علماء الأشعرية هذا بالعلامة، وهذا بالشيخ الكبير، وهذا وهذا وهذا إلخ، بينما تقولون إن الأشعرية ليسوا من أهل السنة والجماعة وأنهم على ضلال. فهذه بعض الأدلة على بعض الأئمة الأشعرية التي هي مصدر لكل الناس في وقتنا الحالي: أبو الحسن الأشعري,الباقلاني , ابن فورك , الإسفراييني , ابن العربي , عياض, النووي؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمذهب الأشعري في العقيدة قائم على آراء الإمام أبي الحسن الأشعري في المرحلة الثانية من حياته، وهي المرحلة التي وافق فيها ابن كلاب، وقد رجع الأشعري رحمه الله عن كثير من آرائه الاعتقادية التي تبناها في تلك المرحلة. ومن نظر في الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين من بعدهم من أهل القرون المفضلة علم أن كثيراً مما عليه الأشاعرة اليوم مخالف لذلك، وقد وقع في المذهب الأشعري كثيرٌ من المشتغلين بالفقه ظانين أنه الحق -والله يغفر لهم- حتى صار كثيرٌ من متأخري الشافعيةَ والمالكية على هذه الطريق، ولكن كان جهابذةٌ من النقاد وفحولٌ من العلماء يخلعون من أعناقهم ربقة التقليد، وييمِّمون صوب الحق حيثُ كان، ويجب التنبه إلى أن المشتغلين بالحديثِ من الشافعية لا يَصدق عليهم أنهم أشاعرة، فمن الظلمِ البين أن يُقال عن الإمام النووي إنه من الأشاعرة، فكلامه في مسائل الإيمان والقدر يوافق مذهب أهل الحديث ولا يمتُّ إلى مذهب الأشعرية بصلة، نعم وقعت له أغلاط في تأويل بعض الصفات – والله يغفر له – فمن ذا الذي يعرى من الغلط ؟
وتقليد هؤلاء العلماء لبعض من تقدمهم من أهل التأويل لا يجعلنا ننتقص أو نحط من قدرهم، أو نترك الاستفادة من كتبهم، بل نترحم عليهم، ونستغفر لهم، وندعو لهم ، ونستفيد من كتبهم، ولا نتبع أخطاءهم ونبتعد عن التعصب لهم.
فلنعذر بعض من اعتقد العقيدة الأشعرية وكان مقلداً لمن علمه، أو كان أسيراً للثقافة المنتشرة في عصره أو بلدته، فكل هؤلاء بشر يصيب ويخطئ، والعبرة في وزن الرجال بالغالب لا بالزلات والهفوات المحدودة المحصورة، وإذا انتهجنا التفتيش عن زلات العلماء وأخطائهم فلن يسلم لنا أحد، فما من عالم إلا وله زلة، ولو أخذنا بكل جرح يقال في الأعلام لضاع منا خير كثير
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما الأشعرية فلا يرون السيف موافقة لأهل الحديث وهم في الجملة أقرب المتكلمين إلى مذهب أهل السنة والحديث . انتهـى .
وقال في درء تعارض العقل والنقل في كلام له على بعض العلماء من الأشاعرة كالباقلاني وغيره: إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف ، لكن لما التبس عليهم هذا الأصل -المأخوذ ابتداء عن المعتزلة- وهم فضلاء عقلاء احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين، وصار الناس بسبب ذلك منهم من يعظمهم لما لهم من المحاسن والفضائل، ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل وخيار الأمور أوساطها .
وهذا ليس مخصوصا بهؤلاء بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين، والله تعالى يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات ويتجاوز لهم عن السيئات {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} . انتهـى .
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا. رحم الله الجميع بمنه وكرمه. انتهـى. وقد قرر هذا المعنى في عدة مواضع .
ويمكنك لمزيد التفصيل ولمعرفة قدر العلماء ووجوب التأدب معهم وحرمة الطعن فيهم مراجعة ما كتبه الشيخ محمد بن إسماعيل في كتابه حرمة أهل العلم .
وراجع للفائدة الفتاوى الآتية أرقامها: 4118، 5719، 39477، 93432، 111436.
والله أعلم.