الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يؤاخذ يعقوب على حبه ليوسف وأخيه أكثر من إخوتهم

السؤال

أود أن أسأل فضيلتكم حول نظرة الشرع لتفضيل سيدنا يعقوب عليه السلام لولده يوسف عليه السلام وأخيه عن باقي إخوته، والحكمة من هذا الموضوع للإفادة والعبرة، وهل اطمئنان النفس لأحد الأبناء دون غيره نهى عنه الإسلام رغم عدم قدرة الشخص على دفع ذلك ؟.
أفيدوني أفادكم الله وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية ننبه على أن نبي الله يعقوب عليه السلام لم يفضِّل ابنه يوسف عليه السلام بعطية أو نحوها مما يجب العدل فيه بين الأبناء، وإنما هو محبة القلب مما لا يؤاخذ به العبد، لأنه لا يملك التحكم فيه، ومع ذلك فقد ظهر منه حرصه على إخماد نار الغيرة والحسد في وصيته ليوسف في قوله:يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ {يوسف:5}.
وجاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الفقهاء إلى أن الإنسان لا يؤاخذ إذا مال قلبه إلى إحدى زوجاته وأحبها أكثر من غيرها، وكذا إذا أحب أحد أولاده أكثر من الآخرين، لأن المحبة من الأمور القلبية التي ليس للإنسان فيها خيار ولا قدرة له على التحكم فيها، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لنسائه فيعدل ويقول: اللهم هذه قسمتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. رواه الترمذي، وقال: يعني به الحب والمودة.
وقال الصنعاني: والحديث يدل على أن المحبة، وميل القلب أمر غير مقدور للعبد بل هو من الله تعالى لا يملكه العبد. وإنما يحرم عليه أن يفضل المحبوب على غيره بالعطايا، أو بغيرها من الأمور التي يملكها الإنسان بغير مسوغ، لقوله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ {النساء: 129}. ولقوله صلى الله عليه وسلم في التسوية بين الأولاد بالعطايا ونحوها لبشير رضي الله عنه: أكل ولدك نحلت مثله ؟ قال: لا. قال: فأرجعه وفي رواية: أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ قال: لا قال فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، وفي ثالثة: أكلهم وهبت له مثل هذا ؟ قال: قال: فلا تشهدني إذن فإني لا أشهد على جور اهـ.
وبهذا يعلم جواب السؤال: هل اطمئنان النفس لأحد الأبناء دون غيره نهى عنه الإسلام رغم عدم قدرة الشخص على دفع ذلك؟

ومن فوائد قصة يوسف عليه السلام، أنه ينبغي للوالد أن يتحرى العدل بين أولاده في كل شيء ظاهر وإن كان حقيرا، دفعا لعارض الغيرة وما يترتب عليه من الحسد والبغضاء، قال ابن مفلح في الفروع: قال أَحْمَدُ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدًا من وَلَدِهِ في طَعَامٍ وَغَيْرِهِ. وكان يُقَالُ: يَعْدِلُ بَيْنَهُمْ في الْقُبَلِ. اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة الفتويين : 64550 // 6242.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني