الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير: واذكروا الله في أيام معدودات.

السؤال

واذكروا الله فى أيام معددودات، هل الأمر على الوجوب أم الاستحباب؟ وإذا كان للوجوب، فما أقله؟ وما هي الصيغة الواجبة؟ وهل الأمر للحاج فقط إذا كان للوجوب؟ أم لكل مسلم فرض عليه ذلك؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجمهور أهل العلم على أن المراد بالذكر هنا: التكبير عند رمي الجمار للحاج، وأدبار الصلوات للحاج وغير الحاج، قال الطبري في تفسير هذه الآية: يعني جل ذكره: أمر عباده يومئذ بالتكبير أدبارَ الصلوات، وعند الرمي مع كل حصاة من حَصى الجمار يرمي بها جَمرةً من الجمار. انتهى.

وكذا قال البغوي وغيره.

وقال ابن كثير: يعني التكبير أيامَ التشريق بعد الصلوات المكتوبات: الله أكبر، الله أكبر. انتهى.

وقال ابن الجوزي في زاد المسير: في هذا الذكر قولان، أحدهما: أنه التكبير عند الجمرات وأدبار الصلوات وغير ذلك من أوقات الحج.

والثاني: أنه التكبير عقب الصلوات المفروضات، واختلف أرباب هذا القول في الوقت الذي يبتدئ فيه بالتكبير ويقطع على ستة أقوال. انتهـى.

وذكر ابن العربي في أحكام القرآن مسألة في المراد بهذا الذكر، فقال: لا خلاف أن المخاطب به هو الحاج خوطب بالتكبير عند رمي الجمار, فأما غير الحاج فهل يدخل فيه أم لا ؟ وهل هو أيضا خطاب للحاج بغير التكبير عند الرمي؟ فنقول: أجمع فقهاء الأمصار والمشاهير من الصحابة والتابعين ـ رضي الله عنهم ـ على أن المراد به التكبير لكل أحد, وخصوصا في أوقات الصلوات، فيكبر عند انقضاء كل صلاة, كان المصلي في جماعة أو وحده يكبر تكبيرا ظاهرا في هذه الأيام، لكن اختلفوا في ذلك على أربعة أقوال:

الأول: أنه يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، قاله علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وأبو يوسف ومحمد صاحبه والمزني.

والثاني: مثله في الأول, ويقطع العصر من يوم النحر، قاله ابن مسعود وأبو حنيفة.

الثالث: يكبر من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق، قاله زيد بن ثابت.

الرابع: يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى بعد صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، قاله ابن عمر وابن عباس ومالك والشافعي.

والتحقيق أن التحديد بثلاثة أيام ظاهر, وأن تعينها ظاهر أيضا بالرمي, وأن سائر أهل الآفاق تبع للحاج فيها، ولولا الاقتداء بالسلف لضعف متابعة الحاج من بين سائر أهل الآفاق إلا في التكبير عند الذبح. اهـ.

وقال النيسابوري في تفسيره: واذكروا الله. أي بالتكبير في أدبار الصلوات وعند الجمار يكبر مع كل حصاة، وفيه دليل على وجوب الرمي، لأن الأمر بالتكبير أمر بالذي يتوقف التكبير على حضوره، وإنما اختير هذا النسق لأنهم ما كانوا منكرين للرمي وإنما كانوا يتركون ذكر الله تعالى عنده. انتهى.

وقال ابن عرفة في تفسيره: الأمر إما خاص بالحاج أو عام، لأن سائر الناس أيضا يكبّرون في تلك الأيام، غير أنّ الحجاج يكبرون في كل النهار وغيرهم يكبّر دبر كل صلاة فقط، وقد كان عمر يرفع صوته بالتكبير في خبائِه فيكبّر من خلفه ثم يكبرالنّاس كلّهم حتى يُسْمَع التكبير من مكة.

وقيل: هل الأمر للوجوب أو للندب؟ قال: إن أريد مطلق الذكر فهو للوجوب، وإن أريد الذكر الخاص في الوقت الخاص فهو للندب، وأما للإباحة فلا. انتهى.

وجاء في الموسوعة الفقهية: التكبير في أيام التشريق مشروع لقوله تعالى: واذكروا الله في أيام معدودات. والمراد أيام التشريق، وهذا باتفاق الفقهاء، عدا أبا حنيفة، فإنه لا تكبير عنده في أيام التشريق، ومع اتفاق الفقهاء على مشروعية التكبير في أيام التشريق، فإنهم يختلفون في حكمه، فعند الحنابلة والشافعية وبعض الحنفية هو سنة لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. وهو مندوب عند المالكية، والصحيح عند الحنفية أنه واجب، للأمر به في قوله تعالى: واذكروا الله في أيام معدودات. انتهى.

وأما أنواع هذا الذكر المأمور به في الآية فقد ذكر ابن رجب في لطائف المعارف بعضه، فقال: أمر الله تعالى بذكره في هذه الأيام المعدودات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل. وذكر الله عز وجل المأمور به في أيام كالتشريق أنواع متعددة:

منها: ذكر الله عز و جل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها، وهو مشروع إلى آخر أيام التشريق عند جمهور العلماء، وقد روي عن عمر وعلي وابن عباس، وفيه حديث مرفوع في إسناده ضعف.

ومنها: ذكره بالتسمية والتكبير عند ذبح النسك، فإن وقت ذبح الهدايا والأضاحي يمتد إلى آخر أيام التشريق عند جماعة من العلماء، وهو قول الشافعي ورواية عن الإمام أحمد، وفيه حديث مرفوع: كل أيام منى ذبح. وفي إسناده مقال.

وأكثر الصحابة على أن الذبح يختص بيومين من أيام التشريق مع يوم النحر، وهو المشهور عن أحمد وقول مالك وأبي حنيفة والأكثرين.

ومنها: ذكر الله عز و جل على الأكل والشرب، فإن المشروع في الأكل والشرب أن يسمي الله في أوله و يحمده في آخره.

ومنها : ذكره بالتكبير عند رمي الجمار في أيام التشريق، وهذا يختص به أهل الموسم.

ومنها: ذكر الله تعالى المطلق، فإنه يستحب الإكثار منه في أيام التشريق، وقد كان عمر يكبر بمنى في قبته فيسمعه الناس فيكبرون فترتج منى تكبيرا، وقد قال الله تعالى: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا... إلى آخر الآية.

وقد استحب كثير من السلف كثرة الدعاء بهذا في أيام التشريق. انتهى.

وأما صيغة هذا الذكر وهذا التكبير فقال الشوكاني في السيل الجرار: ثبت الأمر بالذكر في الأيام المعدودة، والحاصل أن المشروع في أيام التشريق الاستكثار من ذكر الله ـ عز و جل ـ خصوصا التكبير، والمراد مطلق التكبير وهو أن يقول: الله أكبر، ويكرر ذلك في الأوقات ومن جملتها عقب الصلاة، ولا وجه لتخصيصه بعقب الصلاة. انتهى.

وقد سبق بيان صيغ التكبير في العيدين في الفتوى رقم: 44130

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني