الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما تأخذه شركة الوساطة من عمولة محددة لا حرج فيه لأنه أجرة أو جعالة مقابل ما تقدمه من خدمة البيع والشراء.
قال البخاري في صحيحه: باب أجر السمسرة. ولم ير ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأساً. وانظر الفتوى رقم: 105373.
لكن الإشكال في عدم قبض الثمن عن البيع وتأخر تسليمه تلك المدة سواء أكان سبب التأخر قصداً أو بسبب الإجراءات البنكية، فإن الشرط الأساسي في جواز بيع الذهب بغيره من الفضة أو ما يقوم مقامها من العملات المتداولة اليوم هو حصول التقابض من المتبايعين أو وكيليهما قبل التفرق من مجلس العقد، والدليل هو ما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي المنهال حيث قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا: كنا تاجرين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسألنا رسول الله صلى عليه وسلم عن الصرف؟ فقال: إن كان يدا بيد فلا بأس، وإن كان نساء فلا يصلح. ورواه مسلم بلفظ: «مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَهُوَ رِبًا». والنساء والنسيئة واحد، وهو التأخير
وما جاء أيضاً في صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب إلا سواء بسواء، وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا، ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا، قال: فسأله رجل فقال: يداً بيد، فقال: هكذا سمعت.
لكن إن كانت شركة الوساطة تتسلم الثمن عند البيع وهي التي تتأخر في إرساله فلا حرج لأنها وكيل عنك في البيع وقد حصل القبض من وكيلك.
جاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد السادس الجزء الثاني، ما نصه: إن العقود بالتليفون ونحوه تصح في ما لا يشترط فيه القبض الفوري بدون إشكال، أما في ما يشترط فيه الفوري فإنما تصح بالتليفون إذا تم القبض بعد انتهاء المحادثة مباشرة كأن يكون لكل واحد منهما عند الآخر وكيل بالتسليم مثلاً أو نحو ذلك، وإلا فلا يتم عن طريق التليفون ونحوه. انتهى.
ومحل جواز ذلك هو ما إذا كان هنالك بيع حقيقي، وأما إن كان بيعاً صورياً وتلاعباً بالألفاظ فحسب فلا يجوز لأنه مجرد بيع نقد بنقد أكثر منه وهذا هو عين الربا المحرم، فإن حصل فيه التقابض كان ربا فضل، وإن لم يحصل كان ربا فضل وربا نسيئة معاً، ظلمات بعضها فوق بعض، وقد بينا في الفتوى رقم: 103860 حرمة التعامل عن طريق الفوركس لما تشتمل عليه من محاذير شرعية وعدم انضباط معاملاتها وفق ما بيناه سابقاً من الضوابط الشرعية لجواز شراء الذهب والفضة، ولو سألت وقيل لك إن البيع بيع فعلي، فلا يمكنك الاكتفاء بذلك، لأن الغالب في هذا الموضوع أن لا يقصد البيع حقيقة، وبالتالي فلا يمكن الانتقال عن هذا الغالب إلا بيقين.
فالمسألة إذن خطيرة ولا بد من التثبت فيها والاحتياط، وجري عرف الناس وعمل أكثرهم بالباطل لا يبيح الوقوع معهم فيه، قال تعالى: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ. {الأنعام:116}.
وقال محمد مولود اليعقوبي:
فالعرف إن صادم أمر الباري * وجب أن ينبذ بالبراري
إذ ليس بالمفيد جري العيد * بخلف أمر المبدئ المعيد
فالحذر الحذر.
وأما هل تختلف المتاجرة عن طريق البنك والفوركس؟ فالجواب أنهما قد يختلفان وقد يتفقان لكن المعتبر هو توفر الضوابط الشرعية في البيع سواء أكان من شخص أو بنك أو شركة أو غيرها، فمتى توفرت الضوابط الشرعية للمعاملة جازت، ومتى انتفت تلك الضوابط لم تجز، وليست العبرة بأسماء الشركات أو البنوك وإنما بطريقة المعاملة ومدى التزامها بالضوابط الشرعية.
والذي ننصحك به هو البعد عن المتاجرة في ذلك المجال لكثرة المحاذير فيه ولأنه لا يسلم غالباً إن لم نقل قطعاً من الوقوع في المحاذير الشرعية كالربا والغرر والمقامرة وغيرها من الأمور المحرمة، وأبواب الكسب المشروع كثيرة وواضحة ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم وتوجيهه للناس أن قال: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.
قال الحافظ في الفتح: أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة، وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود. وصححه الألباني أيضاً.
وللفائدة انظر الفتويين: 114722، 72584.
والله أعلم.