الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإحسان للوالد بالمال والبدن والطاعة أكثر تأثيرا من المواعظ

السؤال

لي أب ولكنه لا يصلي ولا يصوم منذ صغره وهو الآن تجاوز الستين من عمره، وارتكب ما ارتكب من جميع أنواع الموبقات من شراب وأفعال، وبرغم أنه أصيب بجلطة في المخ لكن هذا لم يجعله يرجع إلى ربه ويتوب ويصلي, وفي نهار رمضان يدخن في البيت, وعندما أقول له لماذا لا تصلي يقول إنه لم يتعود عليها منذ الصغر, وعندما أقول له لماذا لا تصوم يقول إنه مريض بالحصوات والصوم يضره، واستعجب هل الصوم يضره والسجائر لا تضره برغم منع الطبيب له أن يشربها لخطورتها على صحته! ثم عندما أحذره أن تارك الصلاة كافر خارج من ملة الإسلام وعند موته لا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يصلي عليه، يقول إنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وأنه مسلم لأنه لا يعبد الأصنام, وقد وصل به الأمر أن أبلغ عني المباحث وأمن الدولة وألصق بي تهمة الإرهاب، وفعلاً أتوا إلي واستدعوني ولولا لطف الله لكنت معتقلا إلى الآن, ولم يكتف بذلك بل أقام علي قضية اتهمني فيها كذبا وبهتانا أني أضربه لآخذ منه أموالا، وأني عاق له. والحمد لله أخذت براءة أيضا منها بلطف الله, وكان يقول لكل الأقارب أنه لن يتنازل عن القضيه حتى تدفع له أمي خمسين ألف جنيه والحمد لله لم يصل إلى ما يريد ولم ندفع له شيئا، أنا الآن هاجرته منذ رمضان الماضي أي الآن صارت لي سنة لا أكلمه بسبب تركه للصلاة وما فعله, وأقسمت أنه إذا مات على ذلك وكان يومه قبل يومي لن أحضر له جنازة ولن أصلي عليه، وأنا اضطررت أن لا أكلمه لأنه هددني إن لم أبتعد عن نصحه فسيقوم بتكرار الإبلاغ عني وعمل المحاضر لي في الشرطه, فهل أنا بذلك عاق، مع أني ولله الحمد من الله علي بالمحافظة على الصلوات في المسجد من الفجر للعشاء منذ سنوات, وهو يقول لي لن تنفعك صلاتك بشيء وأنا غاضب عليك، وإخوته للأسف الذي هم أعمامي وعماتي غير ملتزمين ويكررون نفس كلامه أني لن تنفعني صلاتي وهو غاضب علي. فأفيدونا أفادكم الله؟ وجزاكم الله عن المسلمين خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان أبوك بهذه الحال التي وصفت فهو على خطر عظيم، فالواجب عليه أن يبادر بالتوبة إلى الله عز وجل من هذه الكبائر والتي أعظمها خطراً ترك الصلاة، فإن الصلاة أعظم أركان الدين ولا حظ في الإسلام لمن ضيعها، وقد أجمع أهل العلم على أن من تركها جاحداً بوجوبها فإنه كافر منسلخ من دين المسلمين، وأما من تركها تكاسلاً فهو كافر أيضاً على ما ذهب إليه بعض المحققين.

لكن وقوع والدك في هذه الكبائر وظلمه لك لا يبيح لك مقاطعته أو التقصير في بره، فإن الله قد أمر بمصاحبة الوالدين بالمعروف ولو كانا مشركين يدعوان ولدهما إلى الشرك بالله والكفر به، قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان:15}.

ومن البر به أن تداوم على نصحه بالرفق والموعظة الحسنة فلا تكثر عليه من الجدال ولا تغلظ له في القول، وأن تتخير الوقت المناسب والأسلوب اللائق في تذكيره، فإذا كان في نصحك له ضرر عليك، فيمكنك أن تستعين عليه ببعض أهل العلم والخير ممن تثق فيهم فربما كان كلامهم أحظى عنده من كلامك وأكثر تأثيراً، ولا تدخر وسعاً في بذل كل سبب وطرق كل باب يذكره بالله ويخوفه من أليم عذابه، ويأخذه بيده إلى طريق الطاعة والهداية، وعليك أن تجتهد في الدعاء له بظهر الغيب فإذا قمت بما يجب عليك نحوه من البر والطاعة في المعروف، فلا يضرك غضبه عليك وعدم رضاه عنك.

وننبهك إلى أن إحسانك إليه بما تقدر عليه من الإحسان بمالك وبدنك وطاعتك له في غير معصية، أبلغ في التأثير عليه من كثير من المواعظ والمناقشات.

ونحذرك من أن تكون نظرتك لأبيك أو غيره من العصاة نظرة الاحتقار أو التعالي بل عليك أن تستشعر نعمة الله عليك في معافاتك من الوقوع في مثل هذه المعاصي فيتسع قلبك رحمة ورأفة للعصاة المذنبين، ولا ينافي ذلك إنكارك للمنكر وبغضك للمعصية.

قال ابن القيم في مشاهد الناس في المعاصي: أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم، مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمر الله فيهم رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم. طريق الهجرتين.

فإذا كان ذلك مع عامة الناس فهو بلا شك مع الوالد أولى، وننصحك بالحرص على تقوية صلتك بربك والاجتهاد في تحصيل العلم النافع، والحرص على مخالطة المصلحين الذين يحسنون الدعوة إلى الله، ويجيدون فن تأليف القلوب لعل الله يجعلك سبباً لهداية والدك وأقاربك، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 104492.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني