السؤال
كنت قبل احتلامي أفعل الكثير من المنكرات من الغيبة والكذب والاطلاع على أسرار الناس إلخ، ولكنني الآن أشك في أنني عندما كنت أفعل تلك المنكرات كنت بالغا، لأن الشعر ـ في أغلب ظني ـ حول العانة كان خشنا، بل أنا شبه متأكد، وعندما كنت أعلم أن الشعر من علامات البلوغ، ولكنني لم أكن أعرف حد ـ خشونة الشعر ـ ولم أتعلم ذلك، لأنني قد أكون تكاسلت عن البحث ومعرفة الحقيقة، وسؤالي الآن: هل علي أن أخبر من اغتبت ومن تصنت أو تجسست عليه؟ وقد أكون نسيت الكثير، وهل علي إثم من تلك المنكرات السابقة وعلي التوبة منها؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق وبينا علامات بلوغ الذكر والأنثى في الفتوى رقم: 10024، وذكرنا أن من العلامات: الإنبات وهو: ظهور شعر العانة، وهو الذي يحتاج في إزالته إلى نحو الحلق، دون الزغب الصغير الذي ينبت للصغير، وأن القول بأن الإنبات علامة للبلوغ مطلقاً هو مذهب الحنابلة والمالكية، وأما الحنفية والشافعية فلم يعتبروا نبات الشعر دليلا على البلوغ، وقد سبق بيان قولهم بالتفصيل في الفتوى رقم: 78640، فراجعها.
والراجح ـ والله أعلم ـ هو ثبوت البلوغ بوجود الشعر الخشن حول العانة، وقد سبق أن هذا هو مذهب المالكية والحنابلة ـ رحمهم الله.
وبناء على ما سبق: فقد كنت بالغا وقت ارتكابك لهذه المعاصي المذكورة في السؤال، فيجب عليك أن تتوب إلى الله عز وجل وتندم على ما فعلته، ويمكنك مطالعة شروط التوبة المقبولة في الفتويين رقم: 5450، ورقم: 29785.
ولأن المعاصي المذكورة من الغيبة والتجسس تتعلق بحق آدمي، فقد اشترط بعض العلماء شرطا إضافيا على شروط التوبة من المعاصي التي هي حق لله وحده، وهو: استحلال من اغتبته أو تجسست عليه وطلب عفوه عنك، وهذا هو المعروف في مذهب الأئمة: مالك وأبي حنيفة والشافعي، ورجحه الغزالي والقرطبي والنووي وغيرهم، وانظر: مدارج السالكين لابن القيم، وإحياء علوم الدين ، وتفسير القرطبي، والأذكار للنووي.
والقول الآخر في المسألة: هو ما ذهب إليه جمع من العلماء، وهو: أن الحق إذا كان مما لا يستوفى كالغيبة والنميمة والكذب ونحو ذلك، فيكتفي بالدعاء له والاستغفار وذكره بخير، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وذكر أن هذا قول الأكثرين ورجحه ابن القيم، وذكر العلامة السفاريني أن هذا قول الجمهور، وهذا القول الثاني هو الأقوى والأرجح، فعلى هذا لا يجب عليك إخبار من اغتبته أو تجسست عليه، ولكن عليك أن تتوب إلى الله، وأن تحسن لمن اغتبتهم وتستغفر لهم، وتذكرهم بما فيهم من الصفات الحسنة عند من اغتبتهم عنده، ولمزيد من التفصيل راجع: الآداب الشرعية لابن مفلح، وغذاء الألباب، ولوامع الأنوارالبهية كلاهما للسفاريني.
ولمعرفة أدلة الفريقين راجع الفتويين رقم: 18180، ورقم: 36984.
وأما ما لا تعلمه من الذنوب التي قد ارتكبتها قديما وكنت بالغا وقت ارتكابها فيجب عليك أن تتوب منها، ولا يشترط لصحة التوبة أن تجلس تتذكر كل ذنب لتتوب منه، بل يكفي أن تتوب منها توبة عامة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: فَمَنْ تَابَ تَوْبَةً عَامَّةً كَانَتْ هَذِهِ التَّوْبَةُ مُقْتَضِيَةً لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ كُلِّهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ أَعْيَانَ الذُّنُوبِ إلَّا أَنْ يُعَارِضَ هَذَا الْعَامَّ مُعَارِضٌ يُوجِبُ التَّخْصِيصَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الذُّنُوبِ لَوْ اسْتَحْضَرَهُ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ، لِقُوَّةِ إرَادَتِهِ إيَّاهُ أَوْ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ حَسَنٌ لَيْسَ بِقَبِيحِ فَمَا كَانَ لَوْ اسْتَحْضَرَهُ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّوْبَةِ وَأَمَّا مَا كَانَ لَوْ حَضَرَ بِعَيْنِهِ لَكَانَ مِمَّا يَتُوبُ مِنْهُ فَإِنَّ التَّوْبَةَ الْعَامَّةَ شَامِلَتُهُ. انتهى من مجموع الفتاوى.
والله أعلم.