السؤال
أرجو أن تذكروا لنا أسماء العلماء من السلف والخلف الذين أفتوا بعدم وقوع الطلاق الثلاث المفرق، وماهي حجتهم في ذلك؟.
أرجو أن تذكروا لنا أسماء العلماء من السلف والخلف الذين أفتوا بعدم وقوع الطلاق الثلاث المفرق، وماهي حجتهم في ذلك؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلعل السائل يقصد طلاق الثلاث المجموع في كلمة واحدة أو الواقع في طهر واحد أو قبل رجعة، لأنه لا خلاف بين أهل العلم في وقوع الطلقات الثلاث إذا كانت مفرقة في أطهار مختلفة وقد حصل كل من الثاني والثالث بعد رجعة، وعلى أية حال، فجمهور أهل العلم من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم على وقوع الطلاق الثلاث ـ سواء وقع بكلمة وحدة أو جاء مفرقا ـ كما تقدم تفصيله في الفتوى رقم: 5584.
والطلاق الثلاث المفرق إن كان في حيض أو نفاس أو تعدد في طهر أو وقع في طهر حصل فيه جماع أو قبل رجعة أو تجديد عقد قد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية عدم وقوعه وجلب أدلته على ذلك، حيث قال في مجموع الفتاوى: وطلاق السنة المباح إما أن يطلقها طلقة واحدة ويدعها حتى تنقضي العدة فتبين أو يراجعها في العدة فإن طلقها ثلاثا أو طلقها الثانية أو الثالثة في ذلك الطهر فهذا حرام وفاعله مبتدع عند أكثر العلماء كمالك وأبى حنيفة وأحمد في المشهور عنه، وكذلك إذا طلقها الثانية والثالثة قبل الرجعة أو العقد عند مالك وأحمد في ظاهر مذهبه وغيرهما، ولكن هل يلزمه واحدة أو ثلاث؟ فيه قولان: قيل: يلزمه الثلاث وهو مذهب الشافعي والمعروف من مذهب الثلاثة.
وقيل لا يلزمه إلا طلقة واحدة وهو قول كثير من السلف والخلف وقول طائفة من أصحاب مالك وأبى حنيفة وهذا القول أظهر، وقد ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وصدرا من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. انتهى.
وقول شيخ الإسلام ابن تيمية هو الذي اختاره الشيخ ابن عثيمين قائلا إنه الصواب وإن كان القائلون به أقل كما رجحه الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ففي الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين: وأما قولا أهل السنة: فالأول: أن الثلاث تقع ثلاثاً، وتبين به المرأة، وهذا هو الذي عليه جمهور الأمة والأئمة، فإذا قال: أنت طالق ثلاثاً بانت منه، وإذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، بانت منه، فتقع الثلاث ثلاثاً ـ سواء بكلمة واحدة، أو بأكثر.
الثاني: وقال به بعض العلماء، وهم قليلون، لكن قولهم حق: إنه يقع واحدة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ودليل ذلك القرآن والسنة، أما القرآن: فإن الله تعالى قال: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ.
والطلاق الثاني يقع لغير العدة، لأن العدة تبدأ من الطلاق الأول، والطلاق الثاني لا يغير العدة، فيكون طلاقاً لغير عدة، فيكون مردوداً، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد.
أما دلالة السنة: فحديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ الذي أخرجه مسلم في صحيحه قال: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة، فلما أكثر الناس ذلك قال عمر ـ رضي الله عنه: أرى الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.
وهذا يدل على أن إمضاء الثلاث من اجتهادات عمر، وأنه ـ رضي الله عنه ـ إنما صنع ذلك سياسة، لا أن هذا مقتضى الأدلة، لأنه إذا ألزم الناس بالطلاق الثلاث كفّوا عنه، لأن الإنسان إذا علم أنه إذا قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، فهي واحدة، يهون عليه أن يقولها مرة أخرى، لكن إذا علم أنه إذا قالها حيل بينه وبين زوجته فإنه لا يقولها، بل يتريث، فلهذا كان من سياسة عمر ـ رضي الله عنه ـ أن ألزم الناس بمقتضى قولهم.
واختار هذا القول شيخنا عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله ـ وقال: إن شيخ الإسلام ساق على هذا أدلة لا يسوغ لمن تأملها أن يقول بخلافه، وهذا القول هو الصواب.
وقد صرَّح شيخ الإسلام بأنه لا فرق بين أن يقول: أنت طالق ثلاثاً، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وما ذكره ـ رحمه الله ـ هو مقتضى قول الفقهاء في هذه المسألة، لأن الذين قالوا: إنه يقع ثلاثاً قالوا: إنه في عهد الرسول كان الواحد منهم يكرر أنت طالق توكيداً، لا تأسيساً، لأنهم يرون أن الثلاث حرام، فلا يمكن أن يقولوها لكن بعد ذلك قلَّ خوف الناس فصاروا يقولونها تأسيساً لا توكيداً، وقولهم هذا يدل على أن الخلاف شامل لقوله: أنت طالق ثلاثاً، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. انتهي.
وراجع المزيد في الفتويين رقم: 60228، ورقم: 110547.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني