الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى: يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد

السؤال

هل يصح تفسير قوله تعالى : ( يوم نقول لجهنم ..) أنه تمثيل لسعتها دون أن يكون خطابا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن التحقيق هو حمل هذا على حقيقته إذ إن من المعلوم في اللغة وأصول الفقه أن الأصل في الكلام حمله على الحقيقة إلا إذا جاءت قرينة تصرفه إلى المجاز، ولا قرينة هنا تصرف الكلام عن ظاهره.

وأما القول بعدم الحقيقة فيه فهو ضعيف.

قال ابن عطية في تفسيره : واختلف الناس أيضا في قول جهنم هل هو حقيقة أو مجاز؟ أي حالها حال من لو نطق لقال كذا وكذا فيجري هذا مجرى: شكى إلي جملي طول السرى، ومجرى قول ذي الرمة: تكلمني أحجاره وملاعبه

والذي يترجح في قول جهنم " هل من مزيد " أنها حقيقة وأنها قالت ذلك وهي غير ملأى، وهو قول أنس بن مالك، وبين ذلك الحديث الصحيح المتواتر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله لجهنم هل امتلأت وتقول " هل من مزيد " حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط وينزوي بعضها إلى بعض ). اهـ

وقال الشوكاني : وهذا الكلام على طريقة التمثيل والتخييل ولا سؤال ولا جواب، كذا قيل، والأولى أنه على طريقة التحقيق ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع. قال الواحدي قال المفسرون: أراها الله تصديق قوله : { لأملأن جهنم } فلما امتلأت قال لها : { هل امتلأت} وتقول هل من مزيد أي قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلئ. اهـ

وقال الشيخ الأمين الشنقيطي في الأضواء عند تفسير سورة الفرقان: اعلم أن التحقيق أن النار تبصر الكفار يوم القيامة، كما صرح الله بذلك في قوله هنا: إذا رأتهم من مكان بعيد، ورؤيتها إياهم من مكان بعيد، تدل على حدة بصرها كما لا يخفى، كما أن النار تتكلم كما صرح الله به في قوله: يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد. والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة، كحديث محاجة النار مع الجنة، وكحديث اشتكائها إلى ربها، فأذن لها في نفسين، ونحو ذلك، ويكفي في ذلك أن الله جل وعلا صرح في هذه الآية أنها تراهم، وأن لها تغيظا على الكفار، وأنها تقول: هل من مزيد، واعلم أن ما يزعمه كثير من المفسرين وغيرهم من المنتسبين للعلم من أن النار لا تبصر، ولا تتكلم، ولا تغتاظ. وأن ذلك كله من قبيل المجاز، أو أن الذي يفعل ذلك خزنتها، كله باطل ولا معول عليه لمخالفته نصوص الوحي الصحيحة بلا مستند، والحق هو ما ذكرنا، وقد أجمع من يعتد به من أهل العلم على أن النصوص من الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن ظاهرها إلا لدليل يجب الرجوع إليه كما هو معلوم في محله. اهـ.

وقال أيضا في تفسير آية ق التي بين أيدينا : واعلم أن قول النار في هذه الآية: {هل من مزيد}، قول حقيقي ينطقها الله به، فزعم بعض أهل العلم أنه كقول الحوض:

امتلأ الحوض فقال قطني * مهلا رويدا قد ملأت بطني

وأن المراد بقولها ذلك هو ما يفهم من حالها خلاف التحقيق، وقد أوضحنا ذلك بأدلته في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى: {إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا} [الفرقان:12], والعلم عند الله تعالى.اهـ

ويؤيد حمل هذا على الحقيقة ما في الأحاديث من إصرارها على طلب المزيد حتى يضع الله تعالى قدمه فيها، ففي حديث الصحيحين: لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط.

وفي الحديث : يوضع الصراط فيمرون عليه مثل جياد الخيل والركاب وقولهم عليه سلم سلم، ويبقى أهل النار فيطرح منهم فيها فوج ثم يقال هل امتلأت ؟ فتقول { هل من مزيد } ثم يطرح فيها فوج فيقال هل امتلأت؟ فتقول { هل من مزيد } حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها وأزوى بعضها إلى بعض ثم قال قط، قالت قط قط. رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح .

وروى الطبري في تفسيره عن ابن عباس قال: إن الله الملك تبارك وتعالى قد سبقت كلمته: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. فلما بعث الناس أحضروا وسيق أعداء الله إلى النار زمراً فجعلوا يقتحمون جهنم فوجاً فوجاً، لا يلقى في جهنم شيء إلا ذهب، ولا يملؤها شيء، قالت: ألست قد أقسمت لتملأني من الجنة والناس أجمعين، فوضع قدمه، فقالت حين وقع قدمه فيها: قط قط فإني قد امتلأت فليس لي مزيد. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني