الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يشاؤه أهل الجنة حاصل لهم

السؤال

في الجنة هل سيكون الإنسان مسير أم مخير؟ يعني هل سنفعل ما نفعل هنا في الدنيا من الأمور أم أن الله سيتحكم بنا في كل الأمور في المشي والكلام وغيرها من الأمور؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن السؤال عن هذا مما لا ينفع علمه ولا يضر جهله، وينبغي للمسلم أن يسأل عن شيء ينبني عليه عمل، ولكن استجابة لرغبة السائلة في الجواب نقول: لقد نص القرآن الكريم على أن أهل الجنة يحصل لهم فيها ما يشاءون كما قال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ {النحل:31}

وقال سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. {الشورى: 22} ، وقال عز وجل: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ {ق: 35}.

قال السعدي: أي: كل ما تعلقت به مشيئتهم، فهو حاصل فيها. اهـ. وقال عند قوله تعالى: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا {الفرقان: 16} أي: يطلبون وتتعلق بهم أمانيهم ومشيئتهم، من المطاعم والمشارب ... والأنهار التي تجري في رياض الجنة وبساتينها، حيث شاءوا يصرفونها ويفجرونها. اهـ.

وقال الدكتور عبد الرزاق الرضواني في (أسماء الله الحسنى): كلما انقضى لأهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيما آخر لا نفاد له ( وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ) (الطور :22) ( لهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلدَيْنَا مَزِيدٌ ) (قّ:35) فتحقيق المراد لأهل الجنة علقه الله بمشيئتهم؛ إكراما لهم وإظهارا لمحبتهم، بعكس الوضع في الدنيا فتحقيق المراد لأهل الدنيا علقه الله بمشيئته لا بمشيئتهم، ابتلاء لهم وإظهار لإيمانهم، ولذلك يقول: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ العَاجِلةَ عَجَّلنَا لهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلنَا لهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوما مَدْحُورا) {الإسراء :18} اهـ.

ومما يذكر هنا، ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يحدث وعنده رجل من أهل البادية: أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى ولكني أحب أن أزرع. قال: فبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده فكان أمثال الجبال، فيقول الله: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء. فقال الأعرابي: والله لا تجده إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.

ففي طلب هذا الرجل من أهل الجنة وقوله: "ولكني أحب أن أزرع" دليل واضح على أن أهل الجنة لهم من المشيئة والإرادة والاختيار ما يزيد به نعيمهم واستمتاعهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني