السؤال
هل يحق لي رد زوجتي إلى عصمتي؟ طلقت زوجتي ثلاث طلقات في أماكن مختلفة وأوقات متفرقة, في شجار عنيف بيني وبينها، فقلت لها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق ـ وذهبت إلى بيت أختها، وبعدها بحوالي يومين أو أكثر أتاني أحد الأصدقاء وابن خالي لكي يصلحا بيننا، وأمامهم قلت: اشهد يا ربي واشهدوا أنتم ـ أيضا ـ أن فلانة طالق مني بالثلاثة ـ وبعدها بيومين، أو أكثر، أو أقل كنت مع صديق نتحدث في نفس الأمر وقلت أمامه فلانة طالق مني بالثلاثة وانقضت العدة ولم تتم المراجعة بين الطلقات الثلاث، والآن وبعد مرور حوالي ثمانية أشهر من نطقي بالطلاق تفهامنا مرة أخرى وأريد إرجاعها إلى عصمتي، وسؤالي: هل يحق لي إرجاعها أم لا؟ وإن كان يحق لي، فهل بعقد ومهر جديدين، مع العلم أنني علمت منذ قريب أنه حين نطقي بالطلقة الأولى كانت طاهرة، وبعدها بحوالي ثلاثه أيام جاءتها الدورة، فهل تقع الطلقة الثانية والثالثة أم لا؟.
أرجو منكم الإفادة، والله الموفق.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبه ـ أولاً ـ على حرمة ما أقدمت عليه من كثرة الطلاق، لما فيه من الاستهزاء بأحكام الله تعالى، وهذا من الخطورة بمكان، لثبوت النهي عنه والتحذير منه، قال تعالى: وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. { البقرة: 231 }.
قال ابن العربي في أحكام القرآن: ومن اتخاذ آيات الله هزوا ما روي عن ابن عباس أنه سئل عن رجل قال لامرأته أنت طالق مائة، فقال: يكفيك منها ثلاث، والسبعة والتسعون اتخذت بها آيات الله هزواً، فمن اتخاذها هزوا على هذا مخالفة حدودها فيعاقب بإلزامها، وعلى هذا يتركب طلاق الهازل. انتهى.
وبخصوص ما تلفظت به من طلاق، في قولك: أنت طالق أنت طالق أنت طالق ـ يرجع فيه إلى نيتك وقصدك، فإن قصدت التأكيد، بمعنى إنشاء الطلاق بالعبارة الأولى ـ فقط ـ وجعلت ما بعدها تأكيداً لزمتك طلقة واحدة، وإن قصدت إنشاء الطلاق بالعبارات الثلاث، أو لم تقصد شيئاً لزمتك ثلاث، قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: فإذا قال لها: أنت طالق وكرره وقع العدد، فإن كرره مرتين وقع طلقتين، وإن كرره ثلاثاً فثلاث طلقات، واعلم أن هذه المسألة تارة يكرر الجملة كلها، وتارة يكرر الخبر وحده، فإن كرر الجملة: أنت طالق أنت طالق يقع العدد، وإن كرر الخبر ـ فقط ـ فقال: أنت طالق طالق طالق، فإنه واحدة، ما لم ينو أكثر حتى على المذهب، وكثير من طلبة العلم يغلطون في هذه المسألة، يظنون أن تكرار الخبر كتكرار الجملة، وليس كذلك، فإذا قال: أنت طالق طالق طالق فإنه يقع على المذهب واحدة، ما لم ينو أكثر، فإن نوى أكثر فالأعمال بالنيات. إذاً فالتكرار له وجهان:
الأول: أن يكون تكرار جملة، فيقع الطلاق بعدد التكرار.
الثاني: أن يكون تكرار خبر فقط، فيقع واحدة ما لم ينو أكثر، فإن نوى أكثر وقع حسب التكرار، إلى أن قال: فإذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق يقع ثلاثاً، لكن لو قال: أردت التوكيد نقبل منه، ويقع واحدة، لأن التوكيد هنا يصح، فاللفظ واحد ومتصل. انتهى.
وقولك: فلانة طالق مني بالثلاث ـ إن كان الذي سبقه ثلاث طلقات، فلا تأثير له، لكونه لم يصادف محلاً، وإن كان ما سبقه أقل منها لكونك نويت التوكيد بتكرار اللفظ حرمت عليك باللفظ الجديد، حتى تنكح زوجاً غيرك ـ نكاحاً صحيحاً نكاح رغبة لا نكاح تحليل ـ ثم يطلقها بعد الدخول، وهذا ـ أي وقوع الطلاقات الثلاث ـ هو مذهب الجمهور وهو الراجح والمفتى به عندنا.
وقولك في المرة الثالثة: فلانة طالق مني بالثلاث ـ لا تأثير له على مذهب الجمهور، لوقوعه بعد انقطاع العصمة فلم يصادف محلا، أما على مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية فتلزمك طلقة واحدة في الحالة الأولى إن كنت قد أوقعتها في طهر لم يحصل فيه جماع، ولا يقع ما بعدها إن لم تكن راجعتها، أو كان في حيض، أو طهر حصل فيه جماع، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 129621.
والقول المفتى به عندنا مذهب الجمهور، وبالتالي، فهذه الزوجة لا تصح رجعتها ولا تحل لك إلا بعد أن تنكح زوجاً غيرك ـ نكاحاً صحيحاً، نكاح رغبة، لا نكاح تحليل ـ ثم يطلقها بعد الدخول.
والله أعلم.