الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يصلح ما بين الأخوين، وننبه إلى أنه كان أولى بالأخ الأصغر أن يحترم صديقه، لكونه أكبر منه وقد علمه بعض العلوم الشرعية وقد بوب الإمام النووي في رياض الصالحين فقال: باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وذكر في هذا الباب قوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون (الزمر: 9).
وذكر فيه حديث: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سنا، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه. رواه مسلم .
وحديث: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا. حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وكان الأولى بالكبير ـ أيضا ـ أن يترفع عن الخصام المؤدي للشقاق والمشاكل وأن يصفح إن كان الخطأ في البداية صدر من غيره ويقابل الإساءة بالعفو والإحسان، امتثالا لقوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ{المؤمنون: 96}.
وقوله: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت: 34ـ 35}.
وقد جاء رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم، ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما تقول، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.
وأما احتجاج من احتج بما حصل بين الصحابة: فهو استدلال في غير محله، فالصحابة الكرام حصلت بينهم خلافات كان كلهم مجتهدا فيها يطلب الحق فيها ويحرص عليه، ومصيبهم في تلك الخلافات له أجران، ومخطئهم له أجر، وهم قد رضي الله عنهم وزكاهم وعدلهم في كتابه، وأثنى عليهم ومدحهم في غير ما آية، فقال جل وعلا: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة: 100}.
وقال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى: اعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ليست بداخلة في هذا الوعيد - يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ـ ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية، ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق، ومخالفه يأثم، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله، وكان بعضهم مصيباً وبعضهم مخطئاً معذوراً في الخطإ، لأنه اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه. انتهى.
وقال الإمام القرطبي ـ رحمه الله تعالى: لا يجوز أن يُنسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه، وأرادوا الله عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم، وأن لا نذكرهم إلا بأحسن الذكر، لحرمة الصحبة، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم، وأن الله غفر لهم وأخبر بالرضا عنهم. انتهى.
وانظر حكم الطعن في الصحابة والازدراء بهم وتتبع سقطاتهم، وبيان أن عدالتهم محل إجماع في الفتويين رقم: 56684، ورقم: 47533.
مع التنبيه على أن أفراد الصحابة غير معصومين من الوقوع في الإثم ولو وقع شيء من ذلك من بعضهم فإنه لا يؤتسى بهم فيه، فالمعصوم الواجب الاقتداء به في كل صغير وكبير إنما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.