السؤال
توفيت أمي ودفنت فى مقابر العائلة، ثم توفي أبي ودفن فى نفس المقبرة بجوار أمي وجدي، وعلمت أن هذا حرام، فاستفتيت عن نقل أبي إلى مقبرة جديدة تابعة لنا بالمدن الجديدة، ولكن عدد الفتاوى بعدم النقل كثيرة مقابل فتوى واحدة بالنقل، فتركنا الوضع على هذا على أن لا أفعل ذلك مرة أخرى، وبعد 10 سنوات فوجئت بخالي وخالاتي يقومون بفتح المقبرة، وجمع عظام أمي وأبي وجدي، ووضعهم فى كفن جديد، ووضعهم في حفرة داخل المقبرة لإخلاء المقبرة استعداداً لأي أحد يتوفى في المستقبل دون علمي، لأني سبق لي إخبارهم بأن هذا يعتبر نبش قبور، ولا يجوز خلط عظام الرجال بالنساء. فماذا أفعل وإني لا أطيق الحياة لشعوري بأني ارتكبت حراما بوضع أبي مع أمي في مقبرة واحدة، وعدم نقل أبي بعد الدفن الخاطئ، وعرضتهما للإهانة من أخوات أمي؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمنهي عنه من جمع الأموات هو أن يجمع العدد منهم في قبر واحد لغير ضرورة، وأما إذا دفن كل واحد من الرجال والنساء في قبر مستقل فلا حرج في تجاورهم، كما أوضحنا ذلك في الفتوى رقم: 131027، فإذا وجدت الضرورة لجمع الأموات فإن الأولى أن تدفن المرأة مع النساء، ويدفن الرجل مع الرجال.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: ولا أحب أن تدفن المرأة مع الرجل على حال، وإن كانت ضرورة ولا سبيل إلى غيرها، كان الرجل أمامها وهي خلفه، ويجعل بين الرجل والمرأة في القبر حاجز من تراب. انتهى.
وقال الحافظ رحمه الله في الفتح: وروى أصحاب السنن عن هشام بن عامر الأنصاري قال: جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحدٍ فقالوا أصابنا قرح وجهد قال: احفروا وأوسعوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر. صححه الترمذي... ويؤخذ من هذا جواز دفن المرأتين في قبر، وأما دفن الرجل مع المرأة فروى عبد الرزاق بإسناد حسن عن واثلة بن الأسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد فيقدم الرجل ويجعل المرأة وراءه، وكأنه كان يجعل بينهما حائلاً من ترابٍ، ولا سيما إن كانا أجنبيين. انتهى.
وبناء عليه، فلا تقلق من دفن والديك متجاورين في مقبرة العائلة، ولا تعتبر معرضهما للإهانة، وأما نبش المقابر بعد ذلك للانتفاع بالقبور في دفن أموات آخرين فهو غير جائز إلا إذا ظن أنه بليت القبور بحيث لم يبق لحم ولا عظم.
قال صاحب فتح الجليل شرح مختصر خليل: ولا ينبش ما دام به... أي في القبر، فإن تحقق أو ظن أنه لم يبق شيء محسوس من الميت فيجوز نبشه للدفن فيه. انتهى.
وقال الزيلعي: ولو بلي الميت وصار تراباً يجوز دفن غيره في قبره وزرعه والبناء فيه وسائر الانتفاعات به. انتهى.
وقال النووي الشافعي في المجموع: يجوز نبش القبر إذا بلي الميت وصار تراباً وحينئذ يجوز دفن غيره فيه، ويجوز زرع تلك الأرض وبناؤها وسائر وجوه الانتفاع والتصرف فيها باتفاق الأصحاب، وإن كانت عارية رجع فيها المعير، وهذا كله إذا لم يبق للميت أثر من عظم ولا غيره، قال أصحابنا رحمهم الله: ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأرض ويعتمد فيه قول أهل الخبرة بها... إلى أن قال: وهذا كله إذا لم يبق للميت أثر من عظم وغيره، إلا أنه إذا دعت ضرورة لإدخال ميت على آخر قبل بلاء الأول جاز. انتهى.
وقال المرداوي الحنبلي في كتابه الإنصاف: متى علم أن الميت صار تراباً قال في الفروع: ومرادهم ظن أنه صار تراباً، ولهذا ذكر غير واحد يعمل بقول أهل الخبرة، فالصحيح من المذهب أنه يجوز دفن غيره فيه. انتهى.
وقال في أسنى المطالب: يحرم نبش القبر قبل البلى عند أهل الخبرة بتلك الأرض، لهتك حرمة الميت فإن بلي، بأن انمحق جسمه وعظمه وصار تراباً، جاز نبش قبره ودفن غيره فيه. انتهى.
أما إذا بقي للأموات أثر من عظم أو غيره فلا يجوز نبش قبورهم، ولو نبشت لظن اندراسها ثم وجدت عظام الموتى، فيتعين تركها على حالها كما قال ابن قدامة في المغني: وإن تيقن أن الميت قد بلي وصار رميماً جاز نبش قبره ودفن غيره فيه، وإن شك في ذلك رجع إلى أهل الخبرة، فإن حفر فوجد فيها عظاماً دفنها وحفر في مكان آخر، نص عليه أحمد. واستدل بأن كسر عظم الميت ككسر عظم الحي، وحديث كسر عظم الميت ككسره حيا أخرجه الإمام أحمد في المسند وأبو داود وابن حبان.
وقد علمت من هذا حكم ما قام به أخوالك وخالاتك، وأنهم وقعوا في الخطأ فيما فعلوا ما دامت العظام موجودة ولا إثم عليك أنت في ذلك.
والله أعلم.