الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا بد من التنبيه أولا على أن الزوجة لا يجوز لها طلب الطلاق من غير عذر شرعي لثبوت الوعيد الشديد في ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الشيخ الألباني.
والأسباب المبيحة للطلاق سبق بيانها في الفتوى رقم: 116133.
وضابط الكناية في الطلاق هو أنها كل لفظ يدل على الفرقة وليس صريحاً فيها ولا تكون الكناية طلاقاً إلا مع نية إيقاعه.
قال ابن قدامة في المغني -عاطفا على ما يقع به الطلاق مع نيته-: وسائر ما يدل على الفرقة ويؤدي معنى الطلاق. انتهى.
وقال أيضا : والكناية لا يقع بها الطلاق حتى ينويه، أو يأتي بما يقوم مقام نيته. انتهى.
وعليه؛ فالعبارات الأربع التي جئت بها تعتبر داخلة في كناية الطلاق لكونها تحتمل الفراق وعدمه، فإذا تلفظ بها الزوج من غير نية الطلاق بل لأجل معرفة ما تريده زوجته أو لسبب آخر فلا يلزمه شيء عند الجمهور، ومذهب الحنابلة أن الكناية بعد طلب الطلاق يقع بها من غير نية، والصحيح أنه يقع بها قضاء لا ديانة بمعنى أنها تبقى زوجته فيما بينه وبين الله تعالى إذا لم ترفعه لقاض شرعي.
جاء في كشاف القناع ممزوجا بمتن الإقناع للبهوتي الحنبلي: ( أو يأتي ) مع الكناية ( بما يقوم مقام نية ) الطلاق ( كحال خصومة وغضب وجواب سؤالها ) الطلاق ( فيقع ) الطلاق ممن أتى بكناية إذن ( ولو بلا نية ) لأن دلالة الحال كالنية بدليل أنها تغير حكم الأقوال والأفعال. انتهى.
وقال المرداوي في الإنصاف: فائدة: لو ادعى أنه ما أراد الطلاق أو أراد غيره دُيِّن ولم يقبل في الحكم مع سؤالها، أو خصومة وغضب على أصح الروايتين. قاله في الفروع وغيره. انتهى
وتخيير الزوجة في الطلاق يعتبر كناية طلاق لا يقع بها إلا مع نية الزوج هذا مذهب الجمهور، وقال المالكية هو من الكنايات التي لا تحتاج لنية.
جاء في المغني لابن قدامة: وقوله : أمرك بيدك . وقوله : اختاري نفسك كناية في حق الزوج , يفتقر إلى نية أو دلالة حال , كما في سائر الكنايات , فإن عدم لم يقع به طلاق ; لأنه ليس بصريح , وإنما هو كناية , فيفتقر إلى ما يفتقر إليه سائر الكنايات . وبهذا قال أبو حنيفة , والشافعي . وقال مالك : لا يفتقر إلى نية ; لأنه من الكنايات الظاهرة. انتهى.
وفي المجموع للنووي: وقال الشافعي: التخيير كناية، فإذا خير الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمر في عصمته، فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت، فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدقت. انتهى.
وفي الدر المختار وهو حنفي: ( قال لها اختاري أو أمرك بيدك ينوي ) تفويض ( الطلاق ) لأنها كناية فلا يعملان بلا نية ( أو طلقي نفسك فلها أن تطلق في مجلس علمها به) انتهى.
وعليه؛ فما قرأته صحيح وقد علمت أنه مذهب الجمهور.
والله أعلم.