الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض..

السؤال

ما معنى: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا؟ وتفسير قوله تعالي: وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله؟ والرد على شبهات النصارى في هذا المعنى؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

قال البغوي: قوله تعالى: ولو شاء ربك ـ يا محمد، لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ـ هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه كان حريصا على أن يؤمن جميع الناس، فأخبره الله جل ذكره: أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة، ولا يضل إلا من سبق له الشقاوة، وما كان لنفس ـ وما ينبغي لنفس، وقيل: ما كانت نفس، أن تؤمن إلا بإذن الله ـ قال ابن عباس: بأمر الله، وقال عطاء: بمشيئة الله، وقيل: بعلم الله. اهـ.

وقال ابن كثير: يقول تعالى: ولو شاء ربك ـ يا محمد لأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به فآمنوا كلهم، ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى؛ كقوله تعالى: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ـ وقال تعالى: أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ـ ولهذا قال تعالى: أفأنت تكره الناس ـ أي تلزمهم وتلجئهم حتى يكونوا مؤمنين أي ليس ذلك عليك ولا إليك، بل الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء، لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين. اهـ.

وهذه الآيات تفيد إثبات المشيئة وأن الأمر كله بيد الله، ولا يقع إلا ما قضاه وقدره وترد على نفاة المشيئة، قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه لو شاء إيمان جميع أهل الأرض لآمنوا كلهم جميعا وهو دليل واضح على أن كفرهم واقع بمشيئته الكونية القدرية، وبين ذلك في آيات كثيرة كقوله: ولو شاء الله ما أشركوا.... الآية. وقوله: ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، وقوله: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ـ إلى غير ذلك من الآيات.

وقال أيضا في قوله تعالى: أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ {يونس:90}: بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن من لم يهده الله فلا هادي له، ولا يمكن أحدا أن يقهر قلبه على الانشراح إلى الإيمان إلا إذا أراد الله به ذلك، وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا، وقوله: إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل الآية، وقوله: إنك لا تهدي من أحببت الآية، وقوله: ومن يضلل الله فلا هادي له. اهـ.

وراجع الفتوى رقم: 155711، للوقوف على شبهة الجبرية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني