الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الراجح في تفسير قوله تعالى: أمَرنا مترفيها ففسقوا فيها.

السؤال

إخواني الأعزاء في الموقع لي سؤال، وأرجو منكم الإجابة علي إن أمكن، ولكم مني ومن المسلمين جزيل الشكر، في تفسير الآية في سورة الإسراء يقول الله تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ـ والسؤال هنا في قراءة ورش يتم الشد على الميم في أمرنا حيث تكون أمَّرنا وليس أمَرنا، فهل من التفسير للآية أن الله تعالى إذا أراد أن يهلك قرية أمَّر ـ بالشدة على الميم ـ أهلها أي جعلهم أمراء يحكمون ويطاعون ولو بالظلم؟ حيث إن الله عز وجل لا يأمر أبدا بالفسق والفجور، ولكم مني جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن قراءة تشديد الميم في قول الله تعالى: أمرنا ـ لم يقرأ بها ورش ولا أحد من القراء العشرة، وإنما وقع اختلاف العشرة في هذه الكلمة بمد الهمزة وقصرها، فقرأ منهم يعقوب بمدها وقرأ الباقون بقصرها، قال ابن الجزري في النشر: واختلفوا في ـ أمرنا مترفيها ـ فقرأ يعقوب بمد الهمزة وقرأ الباقون بقصرها.

وقراءة تشديد الميم إنما جاءت في قراءة شاذة ـ خارجة عن القراءات العشر المتواترة ـ قال القرطبي في التفسير: قوله تعالى: أمرنا ـ قرأ أبو عثمان النهدي وأبو رجاء وأبو العالية والربيع ومجاهد والحسن أمَّرنا بالتشديد.

والمعنى الذي أشرت إليه ذكره بعض أهل التفسير، ومعنى الآية ـ كما قال أهل التفسير ـ أمَرنا من الأمر، أي أمرناهم بالطاعة إعذارا وإنذارا وتخويفا ووعيدا، ففسقوا أي فخرجوا عن الطاعة عاصين لنا، فحق عليها القول فوجب عليها الوعيد، فهذا هو المعنى الصحيح الذي رجحه المحققون من أهل التفسير كالقرطبي والشنقيطي وغيرهما، قال الشنقيطي: أمرناهم بالطاعة فعصوا، وليس المعنى أمرناهم بالفسق ففسقوا، لأن الله لا يأمر بالفحشاء، ومن الآيات الدالة على هذا قوله تعالى: ومَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ.

وفي الآية أقوال كثيرة لأهل التفسير لا يتسع المقام لذكرها، ومنها المعنى الذي أشرت إليه، لكن الأولى في تفسيرها ما ذكرناه لموافقته لقراءة الجمهور، قال إمام المفسرين الطبري: وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ: أَمَرْنا مُتْرَفِيها ـ بقصر الألف من أمرنا وتخفيف الميم منها، لإجماع الحجة من القرّاء على تصويبها دون غيرها، وإذا كان ذلك هو الأولى بالصواب بالقراءة، فأولى التأويلات به تأويل من تأوّله: أمرنا أهلها بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها فحقّ عليهم القول، لأن الأغلب من معنى أمرنا: الأمر، الذي هو خلاف النهي دون غيره، وتوجيه معاني كلام الله جلّ ثناؤه إلى الأشهر الأعرف من معانيه، أولى ما وجد إليه سبيل من غيره. اهـ

وانظر كذلك تفسير القرطبي والبغوي وأضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن، وغيرها من كتب التفسير، وانظر الفتوى: 69053.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني