الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من مات وهو لا ينوي قضاء الدين يؤخذ من حسناته

السؤال

أنا سرقت كثيراً وأكلت حراماً كثيراً وزنيت أكثر من مرة، ولكني والحمد لله قد اهتديت، وأحاول بكل طاقتي ألا أغضب ربي، ولكن لا أقدر على سداد الديون التي سرقتها، لأنها كثيرة، ولأني لا أعلم بعض أصحابها، وكلما سمعت أنَّ الله لا يغفر الذنوب إلا بعد سداد الديون لأصحابها أحس بأن كل صلاتي لا قيمة لها، بالله عليكم ماذا أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الله -عزَّ وجلَّ- أخبرنا في كتابه العزيز أنه يغفر الذنوب جميعاً، ولو بلغت ما بلغت من الكثرة والشناعة، فيقول عز من قائل: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طـه:82]. ويقول: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ [غافر:3].
ويقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

فهذه الآيات تثبت أن الله -عزَّ وجلَّ- يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها توبة صادقة، حتى الشرك بالله تعالى فإنه يغفره، كما قال في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً الفرقان:68-70]، فتأمل أخي الكريم في رحمة الله بعباده وسعة فضله عليهم حيث إنه -سبحانه وتعالى- لم يقف عند مغفرة ذنب التائب والتجاوز عنه، بل تعدى ذلك إلى أن أبدل عمله السيئ بالحسنات.

لذا، فنقول للسائل: ما عليك إلا أن تخلص التوبة إلى الله تعالى وتستقيم عليها وتثق بما عنده، ثم إن توبتك من الزنا وأمثاله من الذنوب التي لا تتعلق بحقوق العباد تكون بالاستغفار والندم والترك والعزم على عدم العودة إليها أبداً.

أما حقوق العباد، فلابد من إرجاعها إليهم أو ورثتهم الشرعيين إذا علمتهم واستطعت الوصول إليهم، وكانت لك القدرة المادية على إرجاعها، فإن لم تستطع الوصول إليهم أو كانوا مجهولين لا يمكن أن تعرفهم، فإنه يجزئك أن تتصدق بها عنهم، فإن وجدتهم بعد ذلك خيرتهم بين الرضى بالتصدق عنهم أو أخذ أموالهم، فإن اختاروا أخذ أموالهم دفعتها إليهم، وتكون الصدقة الأولى لك، فإن لم تستطع السداد ولكنك نويت ذلك وعزمت عليه، فقد بشر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من كان هذا حاله، أنه لا إثم عليه، وذلك فيما رواه الطبراني في معجمه الكبير: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الدين دينان: فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه، ومن مات وهو لا ينوي قضاءه فذاك الذي يؤخذ من حسناته، ليس يؤمئذ دينار ولا درهم. صححه الألباني بمجموع طرقه في أحكام الجنائز.

وبالنسبة لأعمالك الأخرى -كالصلاة والزكاة والحج وغيرها-، فإنها لا تُرد بسبب الدين، لعدم وجود دليل على ذلك مع قول الله تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [القصص:84].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني