الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يفعل الورثة إن سجلت أمهم بعض ممتلكاتها ببيع صوري لأبنائها دون بناتها

السؤال

لشخص أخ واحد شقيق وأختان وله ثلاثة إخوة من الأم, تصرفت الأم حال حياتها في بعض ما تملك بعقود بيع على هيئة قطعة أرض ـ مبان ـ للأخوين, وقطعة أرض زراعية للإخوة الثلاثة الآخرين وتم تسجيل هذه العقود بأحكام صحة ونفاذ قبل وفاة الأم بأكثر من عشر سنوات, أما البنتان فلم تختصهما بشيء, وتوفي الأخ الشقيق واثنان من الإخوة غير الأشقاء قبل وفاة الأم ـ رحمهم الله جميعا ـ ثم قام صاحب السؤال ببيع قطعة الأرض ـ المباني ـ وقرر أن يقسم ثمنها طبقا للأنصبة الشرعية للميراث بحجة أنه لم يدفع ثمنها علما بأن الأرض الزراعية أيضا لم تحصل الأم على ثمنها, وقبل الأخ غير الشقيق سدس الثمن المدفوع في الأرض المفترض أن يختص بها الأخوان رغم أنه حصل على أرض زراعية بنفس القيمة وبدون دفع ثمنها، فهل يجوز أن يقرر صاحب السؤال توزيع ثمن الأرض؟ وهل ظلم أولاد الأخ الشقيق الذين يختصون قانونيا بنصف ثمن الأرض وليس السدس؟ وهل ظلم أولاد الأخوين الآخرين بإعطائهم ما ليس لهم؟ علما بأنهم حصلوا على ميراثهم في الأرض الزراعية؟ وهل يجوز له ترضية الأختين بما يفترض أن يدخل في نصيبه الأصلي وهو نصف ثمن أرض المباني وليس السدس فقط الذي حصل عليه، وبما يساوي نصف ما كانتا ستحصلان عليه إذا تم التجاوز عن صحة هذه العقود؟ وٍأخيرا هل يكون هذا الشخص قد ظلم زوجته وابنه الوحيد؟ الرجاء سرعة الرد وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمسائل التركات من المسائل الشائكة التي لا يمكن الاكتفاء فيها بالسؤال والجواب عن بعد، بل لابد من عرضها على المحاكم الشرعية أومشافهة أهل العلم بها لكن من حيث الإجمال، فإن ما فعلته الأم من تسجيل بعض ممتلكاتها باسم بعض أبنائها ببيع صوري إن كان ذلك على سبيل الهبة النافذة بأن ملك كل منهم ما وهب له في حياتها وتصرف فيه تصرف المالك في ملكه وخلت بينه وبينه، فهي هبة، وهي ماضية، لكن إن كانت فعلت ذلك دون مسوغ شرعي فهي آثمة بذلك التصرف، إذ لا يجوز تخصيص أحد الأبناء بعطية دون الباقين، لقوله صلى الله عليه وسلم: سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحداً لفضلت النساء. أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه وحكم الحافظ في الفتح بأن إسناده حسن.

وفي الصحيحين واللفظ لمسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد لما نحل ابنه النعمان نحلاً وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك، فقال له: يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تشهدني إذا، فإني لا أشهد على جور.

وفي رواية لهما قال له أيضا: فأرجعه.

وفي رواية لمسلم: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرد أبي تلك الصدقة.

وفي رواية عند أحمد: إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم.

فدل ذلك على وجوب العدل بين الأبناء في العطية، وحرمة تفضيل بعضهم على بعض على الراجح، ولا فرق بين الأب والأم في ذلك الحكم، لكن الهبة تمضي بموت الواهب قبل الرجوع والعدل فيها في قول أكثر أهل العلم، قال الرحيباني في مطالب أولي النهى ممزوجا بغاية المنتهى: فإن مات معط قبله ـ أي التعديل ـ وليست العطية بمرض موته المخوف ثبتت العطية للآخذ فلا يملك بقية الورثة الرجوع، نص عليه في رواية محمد بن الحكم والميموني، لخبر الصديق وتقدم، وكما لو كان الآخذ أجنبيا، لأنها عطية لذي رحم، فلزمت بالموت كما لو انفرد.

قال ابن قدامة في المغني: إذا فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده ثبت ذلك للموهوب له ولزم وليس لبقية الورثة الرجوع، هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم والميموني واختاره الخلال وصاحبه أبو بكر، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم وهو الذي ذكره الخرقي.

وبناء على هذا التقدير، فلكل من الإخوة ما خصته به الأم لا يشاركه فيه غيره من الورثة، لكن من البر بالأم بعد موتها أن يرد أولئك الأبناء تلك الهبات ويقسموها بالسوية بينهم فيعطوا الأختين نصيبيهما فيها، وعلى ذلك، فما فعله السائل من توزيع نصيبه من الهبة على الورثة لا حرج فيه ولا ظلم فيه لنفسه ولا زوجته ولا لأخوانه ومحل ذلك فيما إذا كان تصرفه ببيع الأرض عن إذن من شريكه ـ أخيه ـ أو ورثته إن كان قد مات وهم رشداء بالغون، وأما إن كان ذلك التصرف دون إذن فقد بينا حكم تصرف الشريك في بيع نصيب شريكه دون إذنه في الفتوى رقم: 112416.

وأما على فرض كون ما حصل من الأم مجرد وصية بالعقار لأبنائها الذكور لا على أنهم يملكون ذلك في حياتها ولذلك سجلته بأسمائهم، لئلا ينازعهم فيه أحد لدى القانون، فالوصية لوارث لا تمضي إلا برضى الورثة وإذا لم يرضوا فيلزم تقسيم جميع ممتلكات الأم على جميع ورثتها حسب القسمة الشرعية، وإذا لم يكن للميتة وارث غير أولئك الأبناء، فالمال يقسم بينهم جميعا للذكر مثل حظ الأنثيين ومن مات من الأبناء قبل موت الأم فلا شيء له في تركتها، وعلى هذا التقدير فما فعله السائل هو الواجب عليه ويبقى لمن أعطاه حقه الشرعي ناقصا أن يأخذ باقي حقه من باقي التركة، وأما من مات من الابناء قبل موت الأم فالكلام فيما وهب له ينبني على الافتراضين السابقين، فإن كانت الهبة ناجزة وقد حازها وتصرف فيها فإنه يملك ما وهب له ويورث عنه نصيبه فيقسم على ورثته ومنهم الأم قطعا، وأما على الافتراض الثاني فلا شيء لهم فيما سجل بأسمائهم على اعتباره وصية من الأم، وعلى كل فالمسألة معقدة وتحتمل افتراضات كثيرة ولذا لا بد من مشافهة أهل العلم بها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني