السؤال
قد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالجار خيراً، ولكن إذا كان هذا الجار يتخذ من مسكنه وكرأً للفساد ونشر الرذيلة وإيذاء الجيران 0 فما العمل تجاهه علما أنه مصر على فعله 0 وشكرا0
قد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالجار خيراً، ولكن إذا كان هذا الجار يتخذ من مسكنه وكرأً للفساد ونشر الرذيلة وإيذاء الجيران 0 فما العمل تجاهه علما أنه مصر على فعله 0 وشكرا0
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حث الإسلام على الإحسان إلى الجار ومعاملته بالرفق واللين ولو جارَ، وقد قال الله تعالى:وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ [النساء:36].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره.
وفيهما عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.
قال العلماء: الإحسان إلى الجار يكون بثلاثة أمور:
الأول: الإحسان إليه بالهدية والقرض والسلام عليه والبشاشة في وجهه ومساعدته بكل ما يحتاج وتهنئته وتعزيته.
الثاني: كف الأذى عنه، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: والله لا يؤمن -أقسم على ذلك ثلاث مرات- قيل: من يا رسول الله ؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه.
وأما الثالثة: فهي تحمل الأذى إذا صدر منه فيصبر عليه، وكان أبو حنيفة ببغداد له جار مزعج يؤذيه بالأصوات .. وكان يغني بالليل ويقول: "أضاعوني وأي فتى أضاعوا.....ليوم كريهة وسداد ثغر" وكان رضي الله عنه يتحمل ذلك.. وفي ليلة انقطعت عنه الأصوات فسأل عن الأمر فقيل له: إن الشرطة قبضت عليه وإنه في السجن، فذهب إلى المخفر فلما رآه صاحب الشرطة استقبله وقال له: ما جاء بك؟ قال: جاري عندكم في السجن، فأمر صاحب الشرطة بإطلاقه، فلما خرج قال له أبو حنيفة هل ضيعناك يا جارنا العزيز؟ فاستحيا منه وقال: لا والله ما ضيعتموني، فتاب إلى الله تعالى وحسن حاله.
فحق الجار عظيم.. والإسلام بتعاليمه وتوجيهاته يهدف إلى تكوين مجتمع مترابط متماسك متحاب له مناعة يقاوم بها الفساد من الداخل والأعداء من الخارج، فإذا كان الجار لا يراعي هذه التعاليم ويؤذي جيرانه، ويستخدم منزله وكراً للفساد، فإن علينا أن ننصحه أولاً وهذا من أبسط حقوقه علينا، والمسلم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وعلينا أن نذكره بالله تعالى وما يجب عليه من حقوق لله تعالى ولعباده، فإذا استجاب فبها ونعمت، وهذا خير كثير. وقد قال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم.
وإذا لم يستجب وتمادى في غيه فعلينا أن نصبر إذا كان فساده مقتصراً على نفسه ولا ينشره في المجتمع، أما إذا كان متعدياً إلى غيره فيجب أن نبلغ عنه ولي الأمر حتى يوقفه عند حده، فنشر الفساد في المجتمع لا يجوز، قال تعالى:إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور:19].
وإذا لم يُجْدِ كل ذلك نفعاً فإذا استطعنا الانتقال عنه إلى مكان آخر فذلك أولى. فلا خير في أرض يشاع فيها الفساد والمنكر، وكلما استطعت معالجته بحكمة وموعظة حسنة فذلك أحسن وأقرب إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسأل الله لنا ولكم التوفيق.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني