الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه

السؤال

سماحة الشيخ وفقك الله: هل فسر البخاري قوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه ـ إلا ملكه؟ وما ردك على فتوى الألباني أن هذا لا يقوله مسلم مؤمن في كتابه فتاوى الألباني ص: 522؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد قال البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه: باب تفسير سورة القصص: كل شيء هالك إلا وجهه ـ إلا ملكه، ويقال: إلا ما أريد به وجه الله. انتهى.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: إلا وجهه إلا ملكه ـ في رواية النسفي: وقال معمر، فذكره، ومعمر هذا هو أبو عبيدة بن المثنى وهذا كلامه في كتابه مجاز القرآن، لكن بلفظ إلا هو، وكذا نقله الطبري عن بعض أهل العربية، وكذا ذكره الفراء وقال ابن التين: قال أبو عبيدة: إلا وجهه أي جلاله، وقيل: إلا إياه. انتهى.

وهذا يوضح أن البخاري حكى قولين في تفسير الآية، وأن تفسير الوجه بالملك نقله عن غيره، وهو معمر ـ أبو عبيدة بن المثنى ـ ولم ينفرد البخاري بذكر هذا القول وحكايته، فقد حكاه جمع من أهل العلم منهم شيخ الإسلام وابن القيم والبغوي وابن كثير وابن أبي العز وغيرهم، والظاهر أن من فسر الآية بالملك، لم يرد الملك المخلوق، وإنما أراد صفة الملك له سبحانه، وإلا لحصل التناقض، فإن قوله تعالى: كل شيء هالك ـ فيه تقرير زوال الملك المخلوق، لا بقاؤه، وأما ملك الله تعالى الذي هو صفته فلا يزول، قال السمرقندي في بحر العلوم: كل شيء هالك إلا وجهه ـ يعني كل عمل هالك لا ثواب له إلا ما يراد به وجه الله عز وجل، ويقال: كل شيء متغير إلا ملكه، فإن ملكه لا يتغير ولا يزول إلى غيره أبدا. اهـ.

وينبغي أن يُعلم أن السلف قد يفسرون اللفظة بالمطابقة، وقد يفسرونها بالتضمن واللازم، فيظن الظان أن ذلك تأويلا وليس الأمر كذلك، ومثاله أن يقول أحدهم في تفسير قوله تعالى: فإنك بأعيينا ـ إنك بحفظ وكلاءة من الله، فهذا حق وهو لازم أو متضمَّن لإثبات العين، وليس فيه نفي الصفة أو تأويلها، ولا يجوز أن يقال عن مثل هذا المفسر إنه ذهب إلى التأويل المذموم بمجرد هذا، بل لا بد أن ينظر في مجموع كلامه، لمعرفة موقفه من الإثبات والتأويل، والبخاري ـ رحمه الله ـ لا ينفي صفة الوجه ولا يؤولها فقد بوب عليها في كتاب التوحيد من صحيحه فقال: باب قول الله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه ـ وأسند حديث جابر بن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك، فقال: أو من تحت أرجلكم ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك، قال: أو يلبسكم شيعا ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أيسر. اهـ.

فعلى فرض أنه فسر الآية بقوله: إلا ملكه، أو إلا هو، أو إلا ذاته، لم يكن هذا تأويلا لصفة الوجه، بل تفسير للآية باللازم، فإن بقاء وجه الله تعالى يستلزم بقاء ذاته وبقاء ملكه وجلاله، قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله: فأهل السنة يثبتون الصفة ويثبتون ما تضمنته ويثبتون اللوازم... لو قال قائل: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ـ لو قال قائل: يعني تبارك الذي تحت قدرته وتصرفه الملك، هذه قد يقولها رجل من أهل السنة ويقول معها: هذه الآية فيها إثبات صفة اليد لله تعالى والملك تحت قدرة الله تعالى وتصرفه، فيكون الكلام صحيحا، هذا تفسير بالتضمن تفسير باللازم، لأنه يلزم من كون الملك بيد الله جل وعلا أن يكون تحت تصرفه وتدبيره وقدرته.

وأما الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ فهو يجل الإمام البخاري ويعترف بصحة منهجه في صفات الله تعالى، وقد اختصر صحيحه وحقق الأدب المفرد له، ولكنه يشكك في نسبة الكلمة للبخاري ويقول: ننزه الإمام البخاري عن أن يؤول هذه الآية وهو إمام في الحديث وفي الصفات، وهو سلفي العقيدة والحمد لله. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني