الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خدمة الأبوين عند حاجتهما إليها حق واجب على الأولاد جميعا ذكورا وإناثا

السؤال

أنا شاب لدي والد مسن ومريض وهو طريح الفراش ويلزمه من يخدمه بشكل يومي وأنا وحيده ولا أبناء له من الذكور غيري، ولديه من البنات ست جميعهن متزوجات، اتفقت أنا وأخواتي على خدمته بالتناوب؛ في كل يوم من أيام الأسبوع يأتيه أحدنا في ساعة معينة ويقوم على خدمته يوما كاملا إلى أن يستلم منه من يليه في اليوم التالي وهكذا دواليك ويتكرر هذا الدور في كل أسبوع.
منذ بضعة أيام حصل شجار بيني وبين والدي واتهمني بأنني مقصر في خدمته وبأن توزيع أيام خدمته بيني وبين أخواتي البنات غير عادل وقال بأنني يجب عليّ أنا آتيه وأقوم على خدمته يومين في الأسبوع بدلا من يوم واحد واستند فيما يقول إلى الآية الكريمة {للذكر مثل حظ الأنثيين} وقال بما أن لي بعد موته حصتين من ميراثه مقابل حصة واحدة للبنت الواحدة فعلى ذلك عليّ أن أخدمه يومين مقابل أن تخدمه كل واحدة من أخواتي البنات يوما واحداً، فقلت له بأن هذا ليس من العدل وأن هذا القياس باطل غير صحيح فرد عليّ بالسخرية والتهكم علي وعلى ما قلت واتهمني بأنني أحاول أن أتملص من خدمته وخاطبني بكلام شديد القسوة والتجريح كان له وقع شديد الألم في نفسي فقلت له بأنني إذاً لا أريد منه بعد وفاته شيئا من ميراثه (لا حصة واحدة ولا حصتين) وأنني لا أنتظر منه شيئا من ماله لا في حياته ولا بعد مماته وأخذت عهدا بيني وبين نفسي بأن لا آخذ شيئا من ميراثه في حال كانت وفاته قبل وفاتي .
السؤال:
1- هل الاتفاق الذي اتفقنا عليه أنا وأخواتي البنات (لأجل التناوب على خدمة والدنا في كل يوم يأتيه أحدنا) اتفاق صحيح (علما أن جميع أصهاري لامشكلة لديهم في ذهاب زوجاتهم لخدمة والدهن وفق هذا الاتفاق) وهل في هذل التوزيع حق وعدل أم أن فيه جورا وظلما لي أو لأي من أخواتي أو لأزواجهن أو لوالدي؟
2-في حال امتناع أحد أصهاري عن إرسال زوجته لخدمة والدها هل عليها أن تطيع زوجها في ذلك؟ وفي حال كانت الإجابة نعم فهل هذا يعني بأن لأصهاري الذين لم يمتنعوا ولزوجاتهم فضل يمنون به عليّ؟
3-فيما لو امتنع جميع أصهاري عن إرسال أزواجهن لخدمة والدهن هل تجب حينها خدمة والدي عليّ وحدي؟
4-هل القياس الذي يدعيه والدي (والذي هو بما أن للذكر حصتين في الميراث فعليه حصتان في الخدمة) صحيح أم باطل؟
5-هل عليّ إثم في الرد الذي رددت به على والدي؟ وهل العهد الذي أخذته بيني وبين نفسي جائز أم لا؟
أرجو المعذرة على عدم الالتزام بتعليمات السؤال وأرجو منكم رحابة الصدر..

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي ننصحك به بادئ الأمر أن تستغل من أبيك هذا كبره وأن تغتنم فيه طاعته وبره، ما استطعت إلى ذلك سبيلا، ولا تلتفت إلى بادرة نادرة تبدرمنه إليك، وابتغ في ذلك وجه الله ولا تنظر فيما تفعله إلى المقارنة بينك وبين أخواتك فإنك إن فعلت هذا طلبا لرضى الله تعالى، والتماسا لعظيم ثوابه، ظفرت بباب من أرجى أبواب الخير قلما يظفر الناس بمثله.

ثم نلخص القول في جواب ما سألت عنه فيما يلي:

1 - خدمة الأبوين عند حاجتهما إليها وعجزهما عن القيام عليها بالنفس أو بالمال حق واجب على الأبناء الذكور والإناث يتولونها بأنفسهم أو يستأجرون عليها من يتولاها، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 127286 .

2 - الاتفاق الذي تراضيتم عليه في التناوب على الخدمة صحيح لا ظلم فيه ولا جور، ثم إن هذه الخدمة أو الإخدام عموما من باب النفقة تلزم عند عجز الأبوين أو أحدهما عنها، وقد اختلف أهل العلم في النفقة هل تجب على الأبناء سوية الذكر كالأنثى، أو على حسب الميراث أي على الذكر مثل حظ الأنثيين، أو على قدر الميسرة والغنى، قال خليل: ووزعت على الأولاد وهل على الرؤوس أو الإرث أو اليسار؟ أقوال. وراجع الفتوى رقم: 43328 .

3 - حق الزوج على الزوجة آكد من حق الوالد، ومن ثم فإن سمح لأخواتك أزواجهن بالخروج للخدمة فذلك، وإذا لم يسمحوا لهن بالخروج فعليهن أن يستأجرن خادما يخلفهن أو يشاركن في أجرته، وليست لهن ولا لأزواجهن عليك منة في شيء من ذلك. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 19419 ، والفتوى رقم: 100378 .

وبهذا تعلم أنه لا تتعين عليك الخدمة لوحدك إذ لو منع الأزواج زوجاتهن من الخروج فإن ذلك لا يسقط عنهن حق الاستئجار لمن يتولى نصيبهن من الخدمة. ولا داعي أصلا إلى الاسترسال في هذه الاحتمالات جميعها طالما أن الأخوات وأزواجهن راضون بالاتفاق المذكور.

4 - بالنسبة لردك الجافي على والدك فلا ينبغي لك أن تجفو أباك في شيء من تعاملك معه، ولا أن تقول له قولا يتأذى به، وتجب عليك التوبة إلى الله تعالى مما صدر منك تجاهه والندم عليه، وعدم العود فيما بقي من العمر، وراجع الفتوى رقم: 163833 .

5 - تنازلك عن حقك من الميراث سخطا على أبيك قبل موته من قبيل إسقاط الحق قبل وجوبه ولا عبرة به، وكونك أخذت عهدا بذلك بينك وبين نفسك لا يلزم به شيء وراجع للتفصيل الفتوى رقم: 104644 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني