الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إزالة تعارض ظاهري بين حديثين

السؤال

هل هناك تعارض بين الحديثين الشريفين حيث في الأول أجاز رسول الله قتل الرجل لزوجته إذا رأى معها رجلًا, وفي الثاني أمر الصحابي أن يأتي بأربعة شهود, فما الصحيح؟ وهل هناك تعارض؟ أما الأحاديث:
1- قال المصنف - رحمة الله عليه - حدثنا حاتم قال: ح يحيى، قال: ح يحيى، قال: ح أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن وراد، عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن سعد بن عبادة - رضي الله عنه -، يقول: لو وجدت مع امرأتي رجلًا لضربته بالسيف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أتعجبون من غيرة سعد، فوالله لأنا أغير من سعد، والله أغير مني، ومن غيرة الله تعالى أن الله تعالى حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله تعالى، ولا شخص أحب إليه العذر من الله، فمن أجل ذلك بعث المرسلين مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدح من الله تعالى، ولذلك وعد الجنة.
2- أخبرنا أبو زكريا، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن سعدًا قال: أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلًا، أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم ", وذكر حديث علي بن أبي طالب أنه سئل عن رجل وجد مع امرأته رجلًا، فقتله أو قتلها؟ فقال: " إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته" وقد مضى إسناده، قال الشافعي: وشهد ثلاثة على رجل عند عمر بالزنا، ولم يثبت الرابع فجلد الثلاثة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن بين ظاهر هذين الحديثين ملمح تعارض، ووجه إشكال، ومصدر الإشكال فيه: "أتعجبون من غيرة سعد"

قال الحافظ ابن حجر: قَوْلُهُ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ تَمَسَّكَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ مَنْ أَجَازَ فِعْلَ مَا قَالَ سَعْدٌ, وَقَالَ إِنْ وَقَعَ ذَلِكَ ذَهَبَ دَمُ الْمَقْتُول هدرًا نقل ذَلِك عَن ابن الْمَوَّازِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ, وفهم الأكثر من هذه اللفظة خلاف ما تقدم.

قال أبو عمر بن عبد البر: يريد - والله أعلم - أن الغيرة لا تبيح للغيور ما حرم عليه, وأنه يلزمه مع غيرته الانقياد لحكم الله ورسوله, وأن لا يتعدى حدوده فالله ورسوله أغير.

قال المهلب: يدل على وجود القود فيمن قتل رجلًا وجده مع امرأته؛ لأن الله تعالى وإن كان أغير من عباده فإنه قد أوجب الشهود في الحدود, فلا يجوز لأحد أن يتعدى حدود الله، ولا يسفك دمًا بدعوى.

وقال ابن بطال: ففي هذا من الفقه قطع الذرائع, والتسيب إلى قتل الناس والادعاء عليهم بمثل هذا وشبهه، وفى حديث سعد من رواية مالك: النهى عن إقامة الحدود بغير سلطان وبغير شهود؛ لأن الله تعالى عظم دم المسلم, وعظم الإثم فيه، فلا يحل سفكه إلا بما أباحه الله به، وبذلك أفتى علي بن أبى طالب فيمن قتل رجلًا وجده مع امرأته, فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء؛ فليعط برمته, أي يسلِّم برمته للقتل، وعلى هذا جمهور العلماء.

ونقل عن الشافعي قوله: وبحديث علي نأخذ، ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم قبلنا مخالفًا له, قال ابن المنذر: وقد حرم الله دماء المؤمنين في كتابه إلا بالحق، فغير جائز إباحة ما ثبت تحريمه إلا ببينة، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم سعدًا أن يقتل حتى يأتي بأربعة شهداء، وفي نهي النبي له عن ذلك مع مكانه من الثقة والصلاح دليل على منع جميع الناس من قتل من يَدّعون إباحة قتله بغير بينة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني