الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النكتة في تقديم العزيز على الحميد في سورة إبراهيم

السؤال

الرد على المعتزلة في تقديم العزيز على الحميد في سورة إبراهيم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما بخصوص تقديم العزيز على الحميد، فلم نقف للمعتزلة بخصوصهم فيه على رأي يخالف مذهب أهل السنة والجماعة، وإن كان بعض أهل العلم من المتكلمين قد ذكر في النكتة من تقديم العزيز على الحميد، وجها مبناه على تقديم القدرة على العلم، والخلاف في ذلك.

يقول الرازي: إنما قدم ذكر العزيز على ذكر الحميد، لأن الصحيح أن أول العلم بالله العلم بكونه تعالى قادرا، ثم بعد ذلك العلم بكونه عالما، ثم بعد ذلك العلم بكونه غنيا عن الحاجات، والعزيز هو القادر، والحميد هو العالم الغني، فلما كان العلم بكونه تعالى قادرا متقدما على العلم بكونه عالما بالكل غنيا عن الكل، لا جرم قدم الله ذكر العزيز على ذكر الحميد. والله أعلم.

ويقول أيضا: وإنما قدم وصف القدرة على وصف العلم، لأن العلم بكونه تعالى قادرا قبل العلم بكونه تعالى عالما، ولذلك ذهب جمع من المحققين إلى أن أول العلم بالله، هو العلم بكونه قادرا، وذهب آخرون إلى أن أول العلم بالله هو العلم بكونه مؤثرا، وعلى التقديرين فالعلم بكونه قادرا متقدم على العلم بكونه عالما.

قال في غرائب القرآن ورغائب الفرقان: قال بعض العلماء: إنما قدم ذكر العزيز؛ لأن الصحيح أن أول العلم بالله العلم بكونه قادرا غالبا وهو معنى العزيز، ثم بعد ذلك العلم بكونه عالما والعلم بكونه غنيا عن الحاجات والنقائص، وهذا معنى الحميد.

ويقول الزحيلي: قدم ذكر العزيز على الحميد؛ لأن الواجب أولا في العلم بالله: العلم بكونه تعالى قادرا، ثم العلم بكونه عالما، ثم العلم بكونه غنيا عن الحاجات، والعزيز: هو القادر، والحميد: هو العالم الغني.

وهذا الخلاف في مجمله خلاف كلامي لا يصادم العقيدة الصحيحة، ولا ينبي عليه شيء، ويكفي المسلم في توحيد ربه: أن يعلم أنه إله واحد لا شريك له، متصف بصفات الكمال منزه عما سواها.

وأما الآية بمجملها- أي الأولى من سورة إبراهيم - وهي قوله تعالى: ألر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {إبراهيم:1}، فقد استدل بها المعتزلة على إبطال القول بالجبر.

يقول الزحيلي: قال المعتزلة: في هذه الآية دلالة على إبطال القول بالجبر من جهات ثلاث:

أحدها- إخراج الكفر من الكافر بالكتاب.

وثانيها- أنه أضاف الإخراج من الظلمات إلى النور إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم.

وثالثها- الإخراج من الكفر بالكتاب بتلاوته عليهم ليتدبروه وينظروا فيه، فيتوصلوا إلى كونه تعالى عالما قادرا حكيما، وإلى أن القرآن معجزة صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فيقبلوا منه كل ما أداه إليهم من الشرائع، باختيارهم.

وأهل السنة في هذه المسألة وسط بين الجبرية والقدرية، فهم يعترفون أن جميع الأشياء كلها بقضاء وقدر، لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته، ولكنهم يعترفون أيضا أن أفعال العباد واقعة بإرادتهم وقدرتهم ولم يجبروا عليها، والتفصيل في هذا يطول.

وقد بسطنا مذهب أهل السنة في مسألة الجبر هذه والاستدلال في الفتوى رقم: 95359 .

وفي منحى آخر من هذه الآية يقول الفخر الرازي: قالت المعتزلة: الفاعل إنما يكون آتيًا بالصواب والصلاح، تاركًا للقبيح والعبث إذا كان قادرًا على كل المقدورات، عالمًا بجميع المعلومات، غنيًا عن كل الحاجات، فإنه إن لم يكن قادرًا على الكل فربما فعل القبيح بسبب العجز، وإن لم يكن عالمًا بكل المعلومات فربما فعل القبيح بسبب الجهل، وإن لم يكن غنيًا عن كل الحاجات فربما فعل القبيح بسبب الحاجة، أما إذا كان قادرًا على الكل، عالمًا الكل، غنيًا عن الكل، امتنع منه الإقدام على فعل القبيح، فقوله: {العزيز} إشارة إلى كمال القدرة، وقوله: {الحميد} إشارة إلى كونه مستحقًا للحمد في كل أفعاله، وذلك إنما يحصل إذا كان عالمًا بالكل غنيًا عن الكل، فثبت بما ذكرنا أن صراط الله إنما كان موصوفًا بكونه شريفًا رفيعًا عاليًا لكونه صراطًا مستقيمًا للإله الموصوف بكونه عزيزًا حميدًا، فلهذا المعنى: وصف الله نفسه بهذين الوصفين في هذا المقام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني