الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى حديث: كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس...

السؤال

أي عصر وأي زمان يقصده الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام عندما قال حثالة الناس في الحديث التالي:
قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ, سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي فَلَمْ أَحْفَظْهُ, فَقَوَّمَهُ لِي وَاقِدٌ عَنْ أَبِيهِ, قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو, كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنْ النَّاسِ بِهَذَا. صحيح البخاري.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أولًا أن الحُثالة بضم الحاء المهملة وتخفيف الثاء المثلثة هي: رديء كل شيء, وما لا خير فيه, جاء في كشف المشكل من حديث الصحيحين: حثالة كل شيء: رديئه وثفله.

وهذا الحديث يدل على ذم صفات مخصوصة في بعض الناس, وينطبق على كل إنسان وجدت فيه هذه الصفات في كل زمان ومكان, وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عبد الله بن عمرو بالحديث وقال له: كيف بك إذا بقيت في حثالة؟ مما يعني أنه سيدرك بعض الناس بهذه الصفات, قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله بن عمرو, كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس بهذا. رواه البخاري.

وقد بين البخاري في تراجمه أن من وجدت فيه الصفات المذمومة يكون من حثالة الناس, ففي صحيح البخاري باب إذا بقي في حثالة من الناس عن زيد بن وهب حدثنا حذيفة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين: رأيت أحدهما, وأنا أنتظر الآخر, حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال, ثم علموا من القرآن, ثم علموا من السنة, وحدثنا عن رفعها, قال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه, فيظل أثرها مثل أثر الوكت, ثم ينام النومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل, كجمر دحرجته على رجلك فنفط, فتراه منتبرًا وليس فيه شيء, ويصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة, فيقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا, ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان, ولقد أتى عليّ زمان ولا أبالي أيكم بايعت, لئن كان مسلمًا رده عليّ الإسلام, وإن كان نصرانيًا رده عليّ ساعيه, وأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانًا وفلانًا.

وهذا أمر قليل في عصور الخيرية الثلاثة الأولى, وليس فيه مغمز ولا مطعن على أن تلك العصور الثلاثة هي خير الناس.

وأما أن يكون هذا الأمر ظاهرًا ومنتشرًا فهذا في آخر الزمان, وهو من علامات الساعة, ففي مجمع الزوائد: باب فيمن تقوم عليهم الساعة عن علباء السلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقوم الساعة إلا على حثالة من الناس. رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني, ورجاله ثقات, وعن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض, فيبقى فيها عجاج لا يعرفون معروفًا, ولا ينكرون منكرًا. رواه أحمد مرفوعًا وموقوفًا ورجالهما رجال الصحيح. اهـ.

وفي المستدرك على الصحيحين: عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس غربلة, ويبقى حثالة من الناس, قد مرجت عهودهم وأماناتهم, واختلفوا, فكانوا هكذا, وشبك بين أصابعه, قالوا: فكيف بنا يا رسول الله؟ قال: تأخذون ما تعرفون, وتذرون ما تنكرون, وتقبلون على أمر خاصتكم, وتدعون أمر عامتكم. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه بهذه السياقة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني