السؤال
ما هي ضوابط هجر المبتدع؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أهل البدع ينقسمون إلى قسمين:
1) أهل بدع مكفرة.
2) أهل بدع مفسقة.
وأما أهل البدع المكفرة، فإنه يجب على ولي الأمر قتلهم، فإن لم يقتلهم وجب على الناس هجرهم، قال ابن العربي في أحكام القرآن: فإن الكافر من أهل الأهواء يجب قتله، فإذا لم تستطع قتله وجب عليك هجرته، فلا تُسلم عليه ولا تعده في مرضه، ولا تصل عليه إذا مات حتى تلجئه إلى اعتقاد الحق، ويتأدب بذلك غيره من الخلق ا.هـ
وقال أيضاً: وقد سُئل مالك هل تزوج القدرية؟ فقال: قد قال تعالى: (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) [البقرة: 221].
وأما أهل البدع المفسقة، فيجب هجرهم إذا دعوا إلى بدعتهم، وقيل: يجب مطلقاً، قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وقال أحمد: ويجب هجر من كفر، أو فسق ببدعة، أو دعا إلى بدعة مضلة أو مفسقة على من عجز عن الرد عليه، أو خاف الاغترار به والتأذي دون غيره، وقيل: يجب هجره مطلقاً، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد السابق، وقطع ابن عقيل به في معتقده، قال: ليكون ذلك كسراً له واستصلاحاً. ا.هـ
وقد بين العلماء كثيراً من المجالات التي يشرع فيها هجر المبتدع من هذا النوع ومنها:
أولاً: ألا يتولى الولايات العامة كالخلافة والإمارة والقضاء.
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وفي جامع الخلال عن الإمام أحمد أن أصحاب بشر المريسي وأهل البدع والأهواء، لا ينبغي أن يستعان بهم في شيء من أمور المسلمين، فإن ذلك من أعظم الضرر على الدين والمسلمين. ا.هـ
ثانياً: ألا يُسلم عليه.
قال المرداوي في تصحيح الفروع: قال ابن تميم: ترك السلام على أهل البدع فرض كفاية، ومكروه لسائر الناس، وقيل: لا يسلم أحد على فاسق معلن، ولا مبتدع معلن. ا.هـ
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: يستحب ترك السلام على أهل البدع والمعاصي الظاهرة تحقيراً لهم وزجراً. ا.هـ
ثالثاً: ألا يشاور في أمور الدين ولا يُرافق في سفر.
قال ابن مفلح في الفروع: قال الإمام أحمد في رسالته إلى مسدد: ولا تشاور أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك. ا.هـ
رابعاً: ألا يُعاد إذا مرض.
قال المرداوي في الإنصاف: نص الإمام أحمد أن المبتدع لا يعاد، وقال في النوادر: تحرم عيادته. وعنه: لا يعاد الداعية فقط. يقصد: الداعية إلى بدعته.
خامساً: يُشرع حبس الداعية إلى البدعة.
قال ابن مفلح في الفروع: ونص أحمد في المبتدع الداعية: يحبس حتى يكف عنها. ا.هـ
سادساً: لا تقبل روايته للحديث.
قال ابن النجار في شرح الكوكب المنير: ويُرد المبتدع.. أي رواية مبتدع يدعو الناس إلى بدعته. ا.هـ
ثم قال: والمراد إذا كانت بدعته غير مكفرة. ا.هـ
سابعاً: يُشرع عتابه وتبكيته.
قال ابن الحاج في المدخل: وقد نقل الإمام أبو حامد الغزالي -رحمه الله- في كتاب (الجام في ذم العوام) له: اتفقت الأمة قاطبة على ذم البدعة، وزجر المبتدع، وتعتيب من يُعرف بالبدعة. ا.هـ
ثامناً: ألا تُشهد جنائزهم إذا ماتوا.
قال ابن قدامه في المغني: وقال أحمد: أهل البدع لا يعادون إن مرضوا، ولا تشهد جنائزهم إن ماتوا، وهذا قول مالك. ا.هـ.
وقد ذكر العلماء غير ذلك من الأمور التي يشرع فعلها مع المبتدع، كالإنكار عليه إذا كان المبتدع داعية، أما إذا كان المبتدع من العوام، فالأولى التلطف به، لأنه يجهل البدعة التي اعتنقها في الغالب.
قال الإمام الغزالي في الإحياء: المبتدع العامي الذي لا يقدر على الدعوة، ولا يخاف الاقتداء به، فأمره أهون، فالأولى ألا يقابح بالتغليظ والإهانة، بل يتلطف به في النصح، فإن قلوب العوام سريعة التقلب، فإن لم ينفع النصح، وكان الإعراض عنه تقبيحاً لبدعته، تأكد الاستحباب في الإعراض. ا.هـ
وليعلم السائل الكريم أن كل ما ذكرناه سابقاً من وسائل وضوابط لهجر المبتدع يدور مع المصلحة وجوداً وعدماً، فإذا كانت المصلحة في هجره فالهجر هو الأفضل، وإن كانت المصلحة في عدم الهجر كان هو الأفضل.
قال المرداوي في الإنصاف: واعتبر الشيخ تقي الدين -يعني ابن تيمية- المصلحة في ذلك. ا.هـ
وراجع الفتوى رقم: 7119.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني