الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيكِ من هذا الوسواس الذي تعانين منه، وأن يَطمئنّ قلبكِ وتستقرّ نفسكِ، إنه على كل شيء قدير.
ونحن قد سبق أن بيّنا حكم تمثيل أدوار الصحابة وتجسيدهم في المسلسلات والأفلام، وما في ذلك من المفاسد في الفتوى رقم: 8238، والفتوى رقم: 192567.
أما هند بنت عتبة، فقد أسلمت يوم الفتح وحسن إسلامها, قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: أسلمت زمن الفتح وشهدت اليرموك.
فهي من الصحابيات، ولا شكّ أن لها فضلَ الصحبة وحرمةَ الصحابة - رضي الله عنها وعنهم أجمعين -.
وأنت لم تسبي هندًا - رضي الله عنها - وإنما سببتِ تلك الممثلة، وعلى فرض أنكِ كنتِ تعنين هندًا فلم يكن يحضركِ حينها أنها أسلمت، وقد تجاوز الله عن عباده الخطأ والنسيان، كما روى ابن ماجه من حديث أبي ذر وابن عباس مرفوعًا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ.
وقد قال الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب:5}.
وليس في مثل هذا الكلام ناقض للإسلام، ولا عليكِ قضاء ذلك اليوم من رمضان, بل تعظيمك لشأن الصحابيات دليل إيمانك.
وكذلك الكلام في الحادثتين الأُخريين، ليس في ذلك شيء من الاستهزاء، لا تصريحًا، ولا تضمينًا ما لم يصاحبه استهانة قلبية بالشريعة، فإن في الحادثة الثانية مجردَ ترديد ما يقوله الخطيب، في غير محلّه، وفي الحادثة الثالثة إما أن تكوني قلته تهديدًا بالعاقبة، أي: افعلي وأنتِ الخاسرة، وإما سخريةً وتهكمًا بما قالته أختك، وأنتِ في قلبِكِ تريدينَ العكس, قال إمام الحرمين في التلخيص: فإن قيل: فعلى ما يدل قول القائل: افعل؟ قلنا: هذه عبارة مترددة بين الدلالة على الإلزام والندب والإباحة والتهديد وغيرها من المصارف التي سنذكرها. اهـ
والمعنيان اللذَان ذكرناهما كلاهما من استعمالات صيغة الأمر في لغة العرب، بل ذلك مستعمل في القرآن في غير مرة, قال الزركشي في البحر المحيط: السابع: الوعيد, ويسمى التهديد, كقوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] ثم قال في النوع الآخر: {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} [هود: 55] وقولِه: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الإسراء: 64] ذكره ابن القطان والصيرفي, قالا: وليس هذا أمْرَ إباحةٍ لإبليس، وإنما معناه أن ما يكون مثل ذلك لا يضر عبادي، كقوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] وسماه جماعة بالتهكُّم. اهـ
قال العطار في حاشية جمع الجوامع: وضابطه: أن يؤتى بلفظ يدل على التكريم, ويراد منه ضده. اهـ.
فاتركي عنكِ هذه الوساوس، وأكثري من قراءة سورة الناس، فإنّ فيها الاستعاذة من الوسواس، قال الله: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {فصلت:36}. وتوكلي مع ذلك على الله بيقين، قال الله عز وجل: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {النحل:98، 99}، وقال لإبليس: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا {الإسراء:65}.
وأكثري مع ذلك من ذكر الله والاستغفار وقراءة القرآن، وتيقني أن ذلك يعين على اطمئنان القلب، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}، وقال: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا {طه:124}، وقال عن القرآن: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57}.
والله تعالى أعلم.