الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى (الجاهلون) في آية: قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون.

السؤال

متى نزلت هذه الآية: قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون؟ أرجو تحديد معنى: الجاهلون ـ هاهنا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم نقف على وقت نزول الآية تحديدا، والظاهر أنها نزلت في الفترة المكية، قال ابن كثير: ذكروا في سبب نزولها ما رواه ابن أبي حاتم وغيره، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: إن المشركين بجهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة آلهتهم، ويعبدوا معه إلهه، فنزلت: قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. اهـ

وفي الدر المنثور: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن قريشا دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء ويطأون عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد وتكف عن شتم آلهتنا ولا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة هي لنا ولك؟ فدلوه قال: حتى أنظر ما يأتيني من ربي فجاء الوحي: قل يا أيها الكافرون ـ إلى آخر السورة، وأنزل الله عليه: قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ـ وأخرج البيهقي في الدلائل عن الحسن البصري قال: قال المشركون للنبي صلى الله علبه وسلم: أتضلل آباءك وأجدادك يا محمد؟ فأنزل الله: قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ـ إلى قوله: بل الله فاعبد وكن من الشاكرين.

وأما عن معنى "الجاهلون" فيقول ابن عاشور: والجهل هنا ضد العلم، لأنهم جهلوا دلالة الدلائل المتقدمة، فلم تفد منهم شيئا فعموا عن دلائل الوحدانية التي هي بمرأى منهم ومسمع، فجهلوا دلالتها على الصانع الواحد ولم يكفهم هذا الحظ من الجهل حتى تدلوا إلى حضيض عبادة أجسام من الصخر الأصم، وإطلاق الجهل على ضد العلم إطلاق عربي قديم قال النابغة:

يخبرك ذو عرضهم عني وعالمهم ... وليس جاهل شيء مثل من علما

وقال السموأل أو عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي:

سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم ... فليس سواء عالم وجهول

وحذف مفعول (الجاهلون) لتنزيل الفعل منزلة اللازم كأن الجهل صار لهم سجية فلا يفقهون شيئا، فهم جاهلون بما أفادته الدلائل من الوحدانية التي لو علموها لما أشركوا ولما دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى اتباع شركهم، وهم جاهلون بمراتب النفوس الكاملة جهلا أطمعهم أن يصرفوا النبي صلى الله عليه وسلم عن التوحيد، وأن يستزلوه بخزعبلاتهم وإطماعهم إياه أن يعبدوا الله إن هو شاركهم في عبادة أصنامهم يحسبون الدين مساومة ومغابنة وتطفيفا.

وجاء في تفسير الفخر الرازي: إنما وصفهم بالجهل، لأنه تقدم وصف الإله بكونه خالقاً للأشياء وبكونه مالكاً لمقاليد السموات والأرض وظاهر كون هذه الأصنام جمادات أنها لا تضر ولا تنفع، ومن أعرض عن عبادة الإله الموصوف بتلك الصفات الشريفة المقدسة، واشتغل بعبادة هذه الأجسام الخسيسة، فقد بلغ في الجهل مبلغاً لا مزيد عليه، فلهذا السبب قال: أَيُّهَا الْجَـاهِلُونَ ـ ولا شك أن وصفهم بهذا الأمر لائق بهذا الموضع.

وبذلك يتضح أن معنى (الجاهلون) هنا هم الذين لا يعلمون ما أفادته أدلة وحدانية الله على وجوب إفراد الله بالعبادة، مع كونهم يعلمون الأدلة نفسها، وإلا لما قامت عليهم الحجة ولكانوا معذورين بجهلهم، وانظر الفتوى رقم: 211198 وما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني