السؤال
قرأت كل فتواكم حول إطالة الشعر، وأريد أن أعرف إلى ماذا استند الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - عندما قال: إن إطالة الشعر سنة، وقد قال الشيخ ابن عيثمين: إن إطالة الشعر ليست سنة، وقال: إن السنة في تقصيره، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم اتباعًا لقومه، فما أدرى الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - أنه لو كان قوم النبي صلى الله عليه وسلم يقصرون شعورهم لما أطال الرسول صلى الله عليه وسلم شعره، أرجو التفصيل في الإجابة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دليل الإمام أحمد على أن إطالة الشعر سنة ما ثبت في كتب السنة والسيرة من أن شعر النبي صلى الله عليه وسلم كان فوق الجمة، ودون الوفرة، وربما وصل إلى شحمة أذنه، وربما طال فجعله ضفائر؛ فَعنْ أُمِّ هَانِئٍ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَلَهُ أَرْبَعُ ضَفَائِرَ. رواه الترمذي، وغيره، وصححه الألباني.
وفي الآداب الشرعية لابن مفلح: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَسُئِلَ عَنْ اتِّخَاذِ الشَّعْرِ قَالَ: سُنَّةٌ حَسَنَةٌ، وَلَوْ أَمْكَنَنَا اتَّخَذْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لَوْ كُنَّا نَقْوَى عَلَيْهِ لَاتَّخَذْنَاهُ، وَلَكِنْ لَهُ كُلْفَةٌ وَمُؤْنَةٌ.
ومن المعلوم أن الإمام أحمد لن يترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم العبادية لمجرد أن فيها كلفة؛ لذلك فمقصود الإمام أحمد بالسنة هنا: السنة الجبلية، أو العادية، وليس قصده أنه من سنن العبادة، والشيخ ابن عثيمين لم يخالف الأمام أحمد في ذلك؛ فقد أجاب - رحمه الله - عن سؤال فيه ... وهل تطويل الشعر حرام؟ وهل قص الشعر للمرأة حرام؟ أفيدونا وفقكم الله.
الجواب: هذا السؤال يتضمن مسألتين:
الأولى: بالنسبة لتطويل الرجال لشعورهم.
والثانية: بالنسبة لتقصير المرأة من رأسها.
أما الأول - أن الأفضل إطالة شعر الرأس لا بأس به - فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له شعر يقرب أحيانًا إلى منكبيه، فهو على الأصل لا بأس به، ولكن مع ذلك هو خاضع للعادات والعرف، فإذا جرى العرف، واستقرت العادة بأنه لا يستعمل هذا الشيء إلا طائفة معينة نازلة في عادات الناس، وأعرافهم، فلا ينبغي لذوي المروءة أن يستعملوا إطالة الشعر، حيث إنه لدى الناس، وعاداتهم، وأعرافهم لا يكون إلا من ذوي المنزلة السافلة، فالمسألة إذن بالنسبة لتطويل الرجل لرأسه من باب الأشياء المباحة التي تخضع لأعراف الناس، وعاداتهم، فإذا جرى بها العرف، وصارت للناس كلهم شريفهم ووضيعهم، فلا بأس به، أما إذا كانت لا تستعمل إلا عند أهل الضعة، فلا ينبغي لذوي الشرف والجاه أن يستعملوها، ولا يرد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أشرف الناس، وأعظمهم جاهًا، كان يتخذ الشعر؛ لأننا نرى في هذه المسألة أن اتخاذ الشعر ليس من باب السنة والتعبد، وإنما هو من باب اتباع العرف والعادة، هذا بالنسبة للمسألة الأولى من السؤال. اهـ.
وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم العادية لا تعتبر سنة عبادة، يلزم اتباعها، كما هو معروف عند الأصوليين، قال العلوي في المراقي:
وفعله المركوز في الجبلةْ * كالأكل والشرب فليس مِلّهْ.
أي: ليس شريعة يجب العمل بها، أو سنة ينبغي أن نتأسى به فيها؛ لذلك فإنه لا حرج على المسلم في إطالة شعره، أو تقصيره، ومن أطال شعره اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وحبًّا له، فهو على خير إن شاء الله تعالى، وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى: 64156، 15336، 17956، 15658، 5068.
والله أعلم.