السؤال
توفي والدي, وترك ورقة بديون لأخواته، ومصاريف قضية أرضه ما زالت منظورة في المحاكم، وكان الاتفاق معهم: عندما يحكم القاضي لنا سيُرد لهم، مع العلم أن الذي أنهى قضية أراضيهم جميعا لا يملك إلا أرضه، وكنت أبعث إليه بمصاريف شهرية للعيش بها، فما موقفه بالآخرة؟ وهل أعماله تظل معلقة حتى يتم الحكم في القضية؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي السؤال غموض، وعلى كلٍّ؛ إن كان المقصود منه: أن والدك قد استدان من أخواته مالا ليخلص به معاملات قضية أرضه المعروضة لدى المحاكم، فذلك المال دين في ذمته, ويلزمكم سداده من تركته قبل قسمتها, ولا ينتظر به الحكم على الأرض؛ لأن دينه يحل بالموت, ولو كان مؤجلًا بأجل معلوم، فمن باب أولى إذا كان الأجل مجهولا، وفق ما بيناه في الفتوى رقم: 261511.
وقد بين تعالى أن التركة لا توزع على الورثة إلا بعد تنفيذ وصية الميت، وقضاء ديونه المستحقة عليه، فقال تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ {النساء:11}، وبينت السنة المطهرة أن قضاء دين الميت مقدم على تنفيذ وصيته، فترجم البخاري بابا في كتاب الوصايا، فقال: باب تأويل قوله تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية..
وفي الترمذي عن علي -رضي الله عنه- قال: .. قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالدين قبل الوصية.
فإن كان له مال يفي بالدين قضي دينه، وإن لم يترك ما يكفي لقضاء دينه، فتطوع أحد أقربائه أو غيرهم بقضائه, أجزأه ذلك، وصح عنه، ويدل على ذلك ما رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أتي بجنازة ليصلي عليها فقال: "هل عليه من دين؟ قالوا: لا. فصلى عليه، ثم أتي بجنازة أخرى فقال: هل عليه من دين؟ قالوا: نعم. قال: صلوا على صاحبكم. قال أبو قتادة: علي دينه يا رسول الله. فصلى عليه". وفي المسند، والسنن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" حسنه الترمذي، وصححه السيوطي. وفي هذا حث لأولياء الميت على قضاء دينه إن استطاعوا، وفيه إخبار لهم أن نفسه تبقى معلقة حتى يقضى عنه دينه. مما يقتضي الإسراع في قضاء دينه, ولا ينتظر بذلك فصل الحكم في القضية تخليصًا له من ذلك الدين، وإذا قضي عنه، فلا يحاسب عليه في الآخرة.
وأما إذا لم يقض فهو مؤاخذ به يوم القيامة، وإذا كان صادقًا في القضاء عازمًا عليه، ولكن لم يتيسر له ذلك في الدنيا، فالمرجو له أن يتولى الله ذلك عنه جزاء له على حسن نيته في الوفاء، لما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى".
وفي المسند عن أبي بكرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يدعو الله بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه فيقال: يا ابن آدم فيم أخذت هذا الدين؟ وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول: يا رب إنك تعلم أني أخذته فلم آكل، ولم أشرب، ولم ألبس، ولم أضيع، ولكن أتى على يدي إما حرق، وإما سرق، وإما وضيعة، فيقول الله -عز وجل-: صدق عبدي، أنا أحق من قضى عنك اليوم، فيدعو الله بشيء فيضعه في كفة ميزانه، فترجح حسناته على سيئاته، فيدخل الجنة بفضل رحمته". قال الهيثمي : فيه: صدقة الدقيقي. وثقه مسلم بن إبراهيم، وضعفه جماعة.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 40380.
والله أعلم.