السؤال
نأمل منكم حصر صور ومظاهر الشرك الأصغر في نقاط حتى نراجع أنفسنا عليها؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشرك الأصغر هو كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر، ووسيلةٌ للوقوع فيه، وسماه الله ورسوله شركاً، وهو غير مخرج من ملة الإسلام، بل صاحبه لا يزال في دائرة الإسلام، وصوره عديدة يعسر حصرها كلها، ولو أمكن حصرها لما اتسع له هذا المقام، كما قال ابن القيم رحمه الله: والشرك أنواع كثيرة، لا يحصيها إلا الله، ولو ذهبنا نذكر أنواعه لاتسع الكلام أعظم اتساع. اهـ.
إلا أنا نذكر منها صوراً: يقول ابن القيم رحمه الله: وأما الشرك الأصغر: فكيسير الرياء، والتصنع للخلق، والحلف بغير الله، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حلف بغير الله فقد أشرك ـ وقول الرجل للرجل: ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وإنا بالله وبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا وقد يكون هذا شركاً أكبر بحسب قائله ومقصده، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال لرجل قال له ما شاء الله وما شئت: أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله وحده ـ وهذا اللفظ أخف من غيره من الألفاظ... ومن أنواعه: الخوف من غير الله، والتوكل على غير الله، والعمل لغير الله، والإنابة والخضوع والذل لغير الله، وابتغاء الرزق من عند غيره، وحمد غيره على ما أعطى، والغنية بذلك عن حمده سبحانه، والذم والسخط على ما لم يقسمه، ولم يجر به القدر، وإضافة نعمه إلى غيره. اهـ.
ومن ذلك أيضاً: التمائم الشركية، وهو ما يعلق على الصبيان وغيرهم اتقاءَ العين ونحوها وحرزاً من أذى الناس وضررهم، والرقى الشركية، التي يكون فيها سحرٌ أو شَبَهٌ من السحر، وطلاسمُ غير مفهومة، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ.
وكما روى عوف بن مالك الأشجعي ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ. رواه مسلم.
ومنها: الاستسقاء بالأنواء، كما في الصحيحين من حديث زيد بن خالد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ.
والشرك الأصغر كما ترى منقسمٌ إلى شرك قلبي، كالرياء، والتوكل على الأسباب، وإلى شرك عملي، كالتمائم الشركية والحلف بغير الله، وكل ذلك قد يصير شركاً أكبر، بحسب قائله ومقصده وما يقوم بقلبه، كما قال ابن القيم رحمه الله .
وهو أخفى في الأمة من دبيب النمل، ومن أخوف ما خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، كما في مسند أحمد وغيره من حديث محمود بن لبيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جُزي الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟.
ومما يعينك على توقيه: وصية النبي صلى الله عليه وسلم، كما روى أحمد والطبراني وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ؛ اتَّقُوا الشِّرْكَ، فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، فَقَالَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ: وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نعلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ.
وروى الإمام أحمد في الزهد: أن عمر بن الخطاب كان يقول: اللهم اجعل عملي صالحاً، واجعله لك خالصاً، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئاً.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني