السؤال
والدتي كانت في الشهر الرابع من حملها، وتوفيت أختي وهي صغيرة السن، ولم تعلم السبب، فقالت جدتي لوالدي: إنها السبب؛ لأنها تزور صديقاتها مع ابنتها، فحسدوها؛ فتوفيت، فلما علم والدي، كان وقع الخبر عليه كبيرًا، ودخل إلى والدتي، وضربها -كما تقول والدتي- على ظهرها، وكأنه يريدها أن تجهض حملها، ولكنه يقول: إنه لم يكن يعلم أنها حامل؛ لأنه كان يعمل في دولة خارج البلد، وعند عودته استقبلته أمه بالخبر، فتوفي الجنين بسبب الضرب، وهو الآن في 60 من عمره، وهو كبير السن، ومريض بالسكري، والضغط، ويقول: إنه لا يقوى على صيام شهرين متتابعين، فما حكم المسألة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فتجب على والدك دية إسقاط الجنين، سواء تعمد الإسقاط، أو لم يتعمد، قال الشيخ الدردير في الشرح الكبير: ( وَفِي ) إلْقَاءِ ( الْجَنِينِ، وَإِنْ عَلَقَةً ) بِضَرْبٍ، أَوْ تَخْوِيفٍ، أَوْ شَمِّ رِيحٍ ( عُشْرُ ) وَاجِبِ ( أُمِّهِ ) مِنْ زَوْجٍ، أَوْ زِنًا، وَأَمَّا مِنْ سَيِّدِهَا فَسَيَأْتِي ( وَلَوْ ) كَانَتْ أُمُّهُ ( أَمَةً ) وَوَاجِبُ أُمِّهِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً الْقِيمَةُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً مِنْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ أَبٍ، أَوْ أُمٍّ، كَمَا لَوْ شَرِبَتْ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَمْلُ فَأَسْقَطَتْهُ. انتهى.
وعشر دية الأم هو خمسون دينارًا من الذهب، أو ما يساوي 212.5 جرامًا من الذهب، أو ما يعادلها بالأوراق النقدية.
ولا يرث والدك من الدية شيئًا، وإنما هي حق للورثة دون الوالد، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وَلَوْ كَانَ الْجَانِي الْمُسْقِطُ لِلْجَنِينِ أَبَاهُ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ، فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ، لَا يَرِثُ مِنْهَا شَيْئًا، وَيُعْتِقُ رَقَبَةً. وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. انتهى.
وفي لزوم كفارة إسقاط الجنين الذي خرج ميتًا خلاف، والأحوط وجوبها على الجاني، وهي عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيمَا إِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ، أَوْ ضَرَبَتِ امْرَأَةٌ بَطْنَ نَفْسِهَا، أَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا عَمْدًا، فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ.
وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيمَا إِذَا أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ جَنِينًا مَيِّتًا، بِعُدْوَانٍ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْل عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَإِسْحَاقَ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي كُل قَتْلٍ خَطَأٍ دُونَ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ جَنِينٍ، وَغَيْرِهِ، وَالْجَنِينُ مَقْتُولٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَدْخُل فِي هَذَا الْعُمُومِ؛ لأِنَّنَا حَكَمْنَا لَهُ بِالإْيمَانِ تَبَعًا لأِبَوَيْهِ، فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي عُمُومِ هَذَا النَّصِّ، وَلاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ دَلِيلٌ آخَرُ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، وَلأِنَّهُ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ، وَبِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. انتهى. وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى: 19113، 9332، 96743.
وحيث كان أبوك عاجزًا عن صوم شهرين متتابعين، فإنه ينتقل إلى الإطعام عند بعض أهل العلم، وهو ما نرجحه بالنسبة لحالته؛ حيث صار عاجزًا عن الصوم عجزًا دائمًا، كما هو الظاهر، وانظري لمزيد الفائدة الفتاوى: 5914، 78920.
والله أعلم.