السؤال
علّيّ زكاة مال قدّرت قيمتها، وقال لي صديقي إنه يعرف فقراء، فقدّمت له المبلغ في أوّل يوم من رمضان المبارك، فأعلمني أنّه لم يقدّم الزكاة للفقراء نقدًا، بل اشترى بالمال موادّ غذائيّة وسلعا، فهل عليّ ذنب؟ لأنّي سمعت أنّ زكاة المال تخرج مالًا
وبارك الله في علمكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعله صديقك الذي وكّلت يعتبر من باب دفع القيمة في الزكاة، وذلك مختلف فيه بين العلماء، والراجح المفتى به عندنا: أنه لا يجوز دفع القيمة إلّا إذا كان في دفعها مصلحة ومنفعة للفقراء، كما ذهب إليه المحققون من أهل العلم، وانظر الفتوى رقم: 6513.
وعليه؛ فإن كانت المواد الغذائية أنفع للفقراء الذين دفعها إليهم لندرتها في البلد وعدم تمكن الفقير من الحصول عليها ولو بوجود النقود لديه أو نحو ذلك مما يجعل المصلحة فيها للفقراء أرجح؛ فإن تصرفه صحيح مجزئ عنك، وكان عليه أن يستأذنك في ذلك قبل الإقدام عليه؛ لأنه لا يملك التصرف إلا وفق ما أذنت له؛ قال ابن قدامة في المغني: "وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ مِن التَّصَرُّفِ إلَّا مَا يَقْتَضِيه إذْنُ مُوَكِّلِهِ، مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ". اهـ.
أما إن كانت الموادّ الغذائية ليست أنفع للفقراء فإنها غير مجزئة في الزكاة، وبالتالي؛ عليك إخراجها مرة أخرى نقدًا؛ لأن ذمتك لم تبرأ منها بعد، لكن يحق لك الرجوع على الوكيل إذا كان تصرف من دون إذنك؛ لأنه بذلك يعتبر متعدّيًا؛ قال النووي في المجموع: قال أصحابنا: تفريقه بنفسه أفضل من التوكيل بلا خلاف؛ لأنه على ثقة من تفريقه بخلاف الوكيل، وعلى تقدير خيانة الوكيل لا يسقط الفرض عن المالك؛ لأن يده كيده، فما لم يصل المال إلى المستحقين لا تبرأ ذمة المالك. اهـ.
وجاء في تعليقات ابن عثيمين -رحمه الله- على الكافي: "فلو أعطيتك ألف ريال وقلت: هذه زكاة فرقها. ثم إن هذه الزكاة سرقت، فهل يجب على الذي أعطاها أن يخرج بدلًا عنها؟ نعم، يجب أن يخرج بدلًا عنها؛ لأن الوكيل هنا ليس وكيلًا للفقراء، بل هو وكيل لصاحبها. وهل يضمن هذا الذي سُرقت منه؟ نقول: إن كان قد تعدى أو فرط ضمن، وإلا فلا ضمان". اهـ.
هذا وليس عليك إثم فيما حصل؛ لأن ما قمت به من التوكيل في إخراج الزكاة أمر مشروع، وانظر الفتوى رقم: 101692.
والله أعلم.