السؤال
شركة تطوير عقاري, يتلخص عملها في شراء الأرض وتطويرها، وذلك بتسويتها وتعبيد الطريق إليها, وتمديد خدمات الكهرباء والهاتف... إليها, وتستغرق هذه العمليات سنوات طويلة, ثم يتم عرضها للبيع، فهل تجب الزكاة فيها تحت التطوير سنويا أم عند بيعها فقط؟ علما بأن نسبة الربح في هذه العمليات ليس كبيرا.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت الشركة تشتري الأراضي بنية بيعها ـ ولو بعد تطويرها وتزويدها ببعض الخدمات ـ فإنها تعتبر من عروض التجارة، وتجب الزكاة فيها كل سنة، لعموم أدلة وجوب الزكاة في عروض التجارة، كقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا {التوبة:103}.
وروى أبو دواد بإسناد حسن عن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُخرج الصدقة مما نعده للبيع.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: من اشترى أرضاً، أو تملكها بعطاء، أو منحة بنية التجارة، وجبت فيها الزكاة إذا حال عليها الحول، ويقومها كل سنة بما يساوي وقت الوجوب، ويخرج زكاتها ربع العشر، أي ما يعادل 2.5 بالمائة. اهـ.
وعليه؛ فإنه ينظر إلى قيمة الأراضي المذكورة عند نهاية كل حول ويخرج عنها ربع العشر ـ أي 2.5% ـ
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى التفريق بين أن تكون الأرض المذكورة مما لا تباع إلا بعد التطوير غالبا، فيكون حكمها حكم العرض الكاسد، وبين أن تكون مما يباع حال التطوير غالبا، فتجب زكاتها كل حول، جاء في نوازل العقار، للدكتور أحمد العميرة ما نصه: أن يكون العقار مما لا يباع إلا بعد الانتهاء منه في المعتاد أو الغالب، وهذا حكمه حكم العرض الكاسد الذي لا يباع، إذ إن التاجر يتعطل بيعه للعقار حتى ينتهي منه، فهو لا يجد له مشتر، فهو كالكاسد، بل هو أشد، لأن الكاسد يباع ويشترى في المعتاد، لكن لا يوجد له مشتر لأمر أو لآخر، أما هنا فإن العقار لا يباع ولا يشترى، فيقال هنا ما قيل هناك. اهـ.
ومعلوم أن العروض الكاسدة التي لم يقطع صاحبها نية الاتجار بها مختلف في كيفية زكاتها بين أهل العلم، فالجمهور أنها تزكى كل سنة أيضا، وبعض أهل العلم يرى أنها تزكى لسنة واحدة، واختار هذا الرأي كثير من الفقهاء المعاصرين لما فيه من التيسير، يقول الشيخ يوسف القرضاوي في فقه الزكاة: قد يكون لرأي مالك وسحنون مجال يؤخذ به فيه وذلك في أحوال الكساد والبوار الذي يصيب بعض السلع في بعض السنين، حتى لتمر الأعوام ولا يباع منها إلا القليل، فمن التيسير والتخفيف على من هذه حاله ألا تؤخذ منه الزكاة إلا عما يبيعه فعلاً، على أن يعفى عما مضى عليه من أعوام الكساد، وذلك لأن ما أصابه ليس باختياره، ولا من صنع يده. اهـ.
وفي الشرح الممتع على زاد المستقنع للعثيمين: يرى بعض العلماء: أنه لا شيء عليه في هذه الحال ـ أي في حال كساد الأرض ـ لأن هذا يشبه الدين على المعسر في عدم التصرف فيه، حتى يتمكن من بيعها، فإذا باعها حينئذ قلنا له: زك لسنة البيع فقط، وهذا في الحقيقة فيه تيسير على الأمة، وفيه موافقة للقواعد، لأن هذا الرجل يقول: أنا لا أنتظر الزيادة أنا أنتظر من يقول: بع علي، والأرض نفسها ليست مالاً زكوياً في ذاتها حتى نقول: تجب عليك الزكاة في عينه، أما الدراهم المبقاة في البنك، أو في الصندوق من أجل أن يشتري بها داراً للسكنى أو يجعلها صداقاً، فهي لا تزيد لكن لا شك أن فيها زكاة، والفرق بينها وبين الأرض الكاسدة: أن الزكاة واجبة في عين الدراهم، وأما الزكاة في العروض فهي في قيمتها، وقيمتها حين الكساد غير مقدور عليها، فهي بمنزلة الدين على معسر. اهـ.
وبناء على هذا القول الأخير، فإن الأراضي ـ قيد التطوير ـ إذا كانت لا تباع إلا بعد حصول ذلك التطوير وتركيب الخدمات المذكورة فيها، فلا تزكى إلا سنة واحدة عند الانتهاء منها وبيعها، وإن كانت يمكن أن تباع في أي وقت ومرحلة من مراحلها، فإنها تزكى كل سنة، وهذا تفصيل جيد، وانظر الفتوى رقم: 383.
والله أعلم.