الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التخلص من المال المحرم وضوابطه

السؤال

1 . قيل إن المال الحرام يجوز أن ينفق فى المصلحة العامة، هل هذا صحيح؟ 2 . وإن كان صحيحا، فما ضوابط المصلحة العامة؟ 3 . تزوج رجل له ابن بامرأة لها بنت. هل يجوز للابن والبنت أن يتزوجا بعد زواج والديهما؟ 4 . ما المقصود بالولاء الذى لا يجوز إعطاؤه للكافرين (عدم موالاة الكافرين)، الموجب للردة؟ 5 . ما رأى الإسلام فيمن يحب أن يشتري من محل كافر لأن سعره أرخص من محل مسلم أو يحب أن يتعامل مع كافر من دون مؤمن؟ 6 . بعد وفاة شخص، أقام بعض المسلمين فى ماليزيا ما يسمى بمجلس فدية الصلاة والصيام. هل هذا المجلس أو العمل وارد فى الإسلام؟ شكراً

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:

1- إن السبيل الصحيحة للتخلص من المال المحرم، بعد التوبة إلى الله، والندم على ذلك، والعزم على عدم الرجوع إلى ذلك، هي إرجاعه إلى صاحبه أو لورثته إن كان معلوم المصدر، فإن هذا شرط في التوبة، فإن عجز عن إيصاله إليهم، تصدق به عن صاحبه.
قال ابن القيم في زاد المعاد: من قبض مالا ليس له قبضه شرعاً، ثم أراد التخلص منه، فإن تعذر رده عليه، قضى به ديناً عليه، فإن تعذر ذلك رده إلى ورثته، فإن تعذر ذلك تصدق به عنه، انتهى.
أما إذا كان المال الحرام مما لا يختص بمالك معين، كالمأخوذ من المال العام، أو بسبب الاحتكار، أو الغش، أو التجارة في الحرام، أو كالفوائد الربوية إذا أتت عن طريق المصارف مثلاً، فإنه يتصدق به على الفقراء والمساكين، أو ينفق في مصالح المسلمين العامة، وضابطها: كل ما لا يعود نفعه على أحد معين كان نفعه مشاعاً بين المسلمين، كرصف الطرق وإنشاء الجسور وبناء المدارس ودور الأيتام، ونحو ذلك، ومن أهل العلم من قال: لا يصرف هذا الكسب في بناء المساجد، هذا وينبغي للمسلم أن لا يتردد لحظة واحدة في التخلص من هذا المال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه أخرجه الترمذي، ولأنه لو لم يكن فيه من الضرورة إلا كونه حائلاً بين المرء وبين أن تستجاب دعوته لكفى، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم) وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟.
وإن كانت قد حصلت زيادة في هذا المال أو منفعة، فإنها ترد حيث يرد الأصل، ولا يجوز للإنسان أن ينفق هذا المال على نفسه، أو على من يعول، أو في مصلحته، أو مصلحتهم، وإن كان محتاجاً حتى تبرأ ذمته إلى الله سبحانه من هذا المال الحرام، وحتى يستوفي شروط توبته والله أعلم.
2- لا حرج في زواج ابن الرجل من بنت زوجته إذا لم يكن هنالك شيء زائد، كأن يكون هو وهي رضعا من امرأة واحدة مثلاً، فمجرد كون هذا الابن ربيباً لهذه المرأة وهذه البنت ربيبة لهذا الرجل لا يمنع أن يتزوجها.
3- فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ {الممتحنة: 1} وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {المائدة: 51} .
فنهى الله تعالى عن مولاة أعداء الإسلام من اليهود والنصارى، وبين أن من والاهم فإنه منهم، والموالاة الموجبة لكون من فعلها منهم هي حبهم ونصرتهم على المؤمنين ومودتهم، لأن الموالاة بهذا المعنى تعد من علامات النفاق ومرض القلب، وهي من أكبر أسباب حبوط العمل قال تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ {المائدة: 52} قال عبد الله بن عتبة: ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر قال: فظننا أنه يريد الآية: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء)، انتهى.
وقال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {المجادلة: 22} وقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب. متفق عليه.
لكن هنالك صور ليست من المولاة منها البيع والشراء منهم، قال البخاري رحمه الله: باب الشراء والبيع مع أهل الشرك وأهل الحرب، انتهى، ثم ساق بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم: ثم جاء رجل مشرك طويل بغنم يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبيعاً أم عطية أو قال: أم هبة؟ قال: لا بل بيع فاشتري منه شاة.
فدل الحديث على جواز البيع والشراء من الكفار، وقيد أهل العلم ذلك بما ليست فيه معونة حربية لهم، كما نبهوا على أن من أراد أن يشتري من الكافر فعليه أن يحذر من ميل قلبه إليه، ثم إن على المرء أن يفرق بين النهي عن موالاة الكفار وبين الأمر ببرهم والإحسان إليهم إذا كانوا غير محاربين، قال تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة: 8}، فالموالاة منهي عنها والبر والإقساط مأمور بهما.
6- أما مسألة مجلس الفدية فلا نعلم شيئاً بهذا الاسم ولو وضح السائل صورته ليتسنى لنا الحكم عليه لكان ذلك أولى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني