السؤال
أمي ذات شخصية قوية وأنانية وتعاملني أنا وإخوتي كعبيد لها وتتحكم بتفاصيل حياتنا بطريقة سلبية تسبب لنا الأذى النفسي والجسدي فهي مثلا تمنع زواج بناتها، واكتشفنا هذا بعد أن تقدم أخ لطلب إحدى أخواتي، وفجأة اختفى ثم عاد بعد فترة ليخبر أختي أن أمي عرضت عليه أن يقيم علاقة معها، هذا غير أنها حاولت قتل ابن أخي بالسحر، لأنها أرادت تطليق أخي من زوجته لكنه رفض، وهي تتعاطى الشعوذة المؤذية منذ زمن، وقد تراجعت صحتنا بسبب السحر المأكول الذي كانت تضيفه للطعام الذي نطبخه، غير أنها أنفقت الإرث الذي تركه الوالد على عشيقها علنا غير مبالية بسمعتنا، مع أننا عرضنا عليها أن تتزوج بعد وفاة الوالد إن أرادت، لكنها رفضت، ثم اكتشفنا أنها كانت تزني قبل وفاته، فقررنا أن نعيش في منزل منفصل عنها، ومنذ ذلك الوقت لم أذهب لرؤيتها أو بالأحرى أخاف من الذهاب إليها خشية على نفسي منها، وقد من علي الله بارتداء النقاب قبل 3 سنوات، وأنا الآن متزوجة منذ فترة ـ والحمد لله ـ وأخشى على زواجي منها، وأنا متأكدة من أنها إذا علمت فستحاول تطليقي بأي طريقة، ولا أعلم سبب معاملتها السيئة لنا مع أننا من الأبناء البارين بها مع علمنا بكل ما فعلته، لكن عندما وصل الأمر إلى الخوف على النفس منها لم تعد الحياة تطاق، والآن صلتنا الوحيدة بها هو أخي الذي يقوم بجميع مصاريفها، وأعيش في تخبط دائم بسبب قطع رحمها مما جعلني أحاول أن أصلها عبر الهاتف لكنها سببت لي مشكلة كبيرة مع إخوتي، لأنني طلبت منها أن تتوب، وأنا الآن لا أتحدث معها مطلقا تجنباً لشرها، فهل قطع هذه الأم يعد من العقوق؟ وهل صلتها عبر الهاتف فقط تعد صلة؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغالب في الأم شفقتها على أولادها وحرصها على ما ينفعهم واجتنابها ما يضرهم، فإن ثبت عن أمك ما ذكرت من التصرفات السيئة، فهذا أمر غريب منها، فنسأل الله تعالى لها التوبة والهداية وأن يصلح حالها، ونوصيكم بالصبر عليها وكثرة الدعاء لها بالهداية، والحذر من الإساءة إليها بأدنى إساءة، فمن حق الوالد أن يحسن إليه ولده وإن ظلم.
عقد البخاري في كتابه الأدب المفرد، بابًا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه.
وإن كانت هنالك خشية حقيقية من أذاها، وتركت زيارتها لأجل ذلك، فلا يكون ذلك عقوقا أو قطيعة للرحم، ولكن يجب عليك صلتها بما هو ممكن مما يعد صلة عرفا؛ كالاتصال الهاتفي ونحو ذلك، فقد ذكر أهل العلم أن ما يعد صلة عرفا فهو صلة، قال النووي: وأما صلة الرحم: فهي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارة بالزيارة, والسلام, وغير ذلك. اهـ.
ونؤكد على أهمية الاستمرار في نصحها، وليكن ذلك بالرفق واللين والشفقة والحرص على التسبب في الهداية، والأفضل البحث عمن يرجى أن تستجيب لقوله من فضلاء الناس، فإن صلح حالها فذلك خير لكم ولها، وتنالون الأجر العظيم ـ بإذن الله ـ روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم.
والله أعلم.