السؤال
أنا شاب مقيم بإحدى الدول الأوربية، أبلغ من العمر 21 سنة. لي العديد من الأصدقاء، وتقريبا كلهم يقع في الزنا 3 مرات في الأسبوع، وأنا الحمد لله لا زلت أصبر وأقنع نفسي أني لا يجب علي فعل هذه المعصية، مع يقيني أني يستحيل أن أتزوج في السنوات العشر القادمة، بسبب دراستي، وأسباب أخرى.
يراودني وسواس أني مخطئ، وأني أحرم نفسي، وأني الوحيد من بين المجتمع الذي أنا فيه قد بلغت هذه السن ولم أمارس الجنس ولو مرة واحدة، حتى إني أجد الأمر محرجا في بعض الأحيان، عدا عن أني أعاني من شهوة جامحة، تدفعني لممارسة العادة السرية من 1 إلى 3 مرات يوميا، وأن الله سيغفر لأصدقائي عندما يتوبون إليه، وأني أنا الخاسر؛ لأني لم أفعلها، وسيساويني الله بهم عندما يتوبوا.
هذه الوساوس دفعتني للذهاب ذات يوم مع أحد الأصدقاء إلى أحد نوادي الدعارة، ولم تكن النية الوقوع بالزنا، ولكن فقط مشاهدة الأجواء هناك.
دعتني إحدى العاهرات، وطلبت مبلغا من المال؛ فعرضت عليها النصف من باب التعجيز، لكي أتخلص منها، ولكن فوجئت بقبولها. وعندما أغلق الباب علينا، مددت يداي إلى جسدها، وفي هذه اللحظات تدور حرب بين الأفكار برأسي أن هذا حرام، وعلي أن أنتهي، وأنني يجب أن أفعلها؛ لأنني أفعل شيئا طبيعيا فطريا.
حصل خلاف بيني وبينها لسبب أنها لا تتحدث لغة البلد الذي أنا فيه، مما دفعها لطردي. وصراحة كان أجمل طرد نزل على قلبي في حياتي. عندما خرجت، شعرت أن الله سبحانه وتعالى أنقذني.
سؤالي هو: هل أكون آثما في هذه الحالة؟ وهل الإثم يكون بمنزلة الزنا؟ مع العلم أني عندما كنت في الداخل، كنت قد نويت المعصية. وعندما خرجت، حمدت الله لأني لم أدخل بإرادتي، وأنني لو كنت مصرا على فعل المعصية، فقد كنت أستطيع الذهاب إلى عاهرة أخرى في نفس المكان.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الواقع ما ذكرت، فقد تعاطيت أسباب المعصية، وعزمت عليها. ومن كان حاله كذلك، فإنه يأثم بهذا العزم، ولكن إثمه ليس كإثم الفاعل.
واستدل أهل العلم على ذلك، بالحديث المتفق عليه عن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا التقى المسلمان بسيفهما، فالقاتل والمقتول في النار". فقلت: يا رسول الله؛ هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصا على قتل صاحبه".
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: قال الامام المازري -رحمه الله-: مذهب القاضي أبي بكر بن الطيب، أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن نفسه عليها، أثم في اعتقاده وعزمه. ويحمل ما وقع في هذه الأحاديث وأمثالها على أن ذلك فيمن لم يوطن نفسه على المعصية، وإنما مر ذلك بفكره من غير استقرار، ويسمى هذا هما .....
قال القاضي عياض -رحمه الله-: عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين، على ما ذهب إليه القاضي أبو بكر؛ للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب، لكنهم قالوا إن هذا العزم يكتب سيئة، وليست السيئة التي هم بها؛ لكونه لم يعملها، وقطعه عنها قاطع غير خوف الله تعالى، والإنابة، لكن نفس الإصرار والعزم معصية، فتكتب معصية. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في الذي عزم على القتل فلم يفعل: والذي يظهر أنه من هذا الجنس، وهو أنه يعاقب على عزمه بمقدار ما يستحقه، ولا يعاقب عقاب من باشر القتل حساً. اهـ.
ونوصيك بالبحث عن سبيل للزواج، فاستعن بالله، واجتهد في محاولة تذليل العقبات والحيلولة دون أن تكون سببا في منعك من الزواج الذي هو من الأمور العظيمة، التي تترتب عليها مصالح جليلة. ولا يخفى أن الأعمار محدودة والآجال معدودة، فقد تأتي القواطع التي تحول دون تحقيق ذلك. وراجع مزيد الفائدة في الفتوى رقم: 194929.
ولو قدر أن لم تجد سبيلا للزواج، فاتخذ من الوسائل ما يعينك على العفة، ومن أهمها الصحبة الصالحة، واجتناب الصحبة السيئة، وكما هو بين فإنك مع أصدقاء سوء يزينون الباطل، واستغل الشيطان ذلك ليوقعك في هذه الوساوس الخطيرة ومحاولات تبرير المعصية من نحو اعتبار نفسك مخطئا، وأنك تحرم نفسك، وأنك الوحيد من بين المجتمع الذي أنت فيه قد بلغت هذه السن ولم تمارس الجنس ولو مرة واحدة... الخ ما ذكرت من هواجس، لا تبرر بحال الوقوع في المعصية، فقد أصبحت بذلك بين شياطين الإنس والجن، فالحذر الحذر من فتنتهم، قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ {الأعراف:27}. واحرص أيضا على الصوم، فإنه يكسر حدة الشهوة، وبه تحصل ثمرة التقوى، فيبعث صاحبه على العفة، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب؛ من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع، فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء.
وكما ترى، فإن السنة أرشدت إلى الصوم، ولم ترشد إلى العادة السرية، وهو مما يدل على عدم جوازها، فالواجب عليك التوبة منها، وانظر الفتوى رقم: 7170، ورقم: 5450.
وههنا أمر لا ينبغي أن نغفله هنا وهو الإقامة في بلاد الكفر، فلها أثرها الخطير على دين المسلم؛ لأن فيها كثيرا من المغريات، ودواعي الشهوات. ولذلك شدد العلماء في أمرها، ومنعوا منها إلا لضرورة، أو حاجة تقرب منها.
ويمكنك أن تطالع كلامهم بخصوصها، في الفتوى رقم: 226333.
والله أعلم.