السؤال
السؤال بخصوص القراءات العشر: هل يوجد اختلاف بين القراءات بحيث تكون هنالك كلمة في قراءة معينة ليست موجودة في قراءة أخرى؟ فمثلا: كلمة في المصحف برواية ورش ليست موجودة في قراءة أخرى، وليست نيتي أن أقول إن قراءة من القراءات ناقصة أو خاطئة ـ عياذا بالله من ذلك ـ بل أريد أن أعلم إلى أي حد يمكن أن يصل الاختلاف بين القراءات، وهل يمكن أن يصل الاختلاف إلى وجود كلمة في قراءة معينة ليست موجودة في قراءة أخرى؟.وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من اختلاف القراءات وجود كلمة أو حرف في بعض القراءات دون غيرها، كما في زيادة (من) في قراءة ابن كثير في سورة التوبة حيث قرأ: من تحتها الأنهار ـ وقرأ الجمهور: تحتها الأنهار ـ بدون (من) ومثل: هو الغني الحميد ـ في سورة الحديد، فقد قرأ الجمهور: هو الغني، وقرأ نافع وأبو جعفر وابن عامر بحذف (هو) ومن أسباب ذلك وجود الكلمة في بعض المصاحف التي كتبها الصحابة وعدم وجودها في البعض، قال الجزري في النشر في القراءات العشر: واختلفوا في: تجري تحتها، وهو الموضع الأخير، فقرأ ابن كثير بزيادة كلمة: من، وخفض تاء تحتها، وكذلك هي في المصاحف المكية، وقرأ الباقون بحذف لفظ: من ـ وفتح التاء، وكذلك هي في مصاحفهم. اهـ.
وفي النشر في القراءات العشر أيضا: واختلفوا في: فإن الله هو الغني ـ فقرأ المدنيان، وابن عامر بغير هو، وكذلك هو في مصاحف المدينة والشام، وقرأ الباقون بزيادة هو، وكذلك في مصاحفهم. اهـ.
وقال أبو شامة في إبراز المعاني من حرز الأماني: ومن تحتها المكي يجر وزاد من ... يعني: من تحتها الأنهار ـ في الآية التي أولها: والسابقون الأولون ـ ثبتت في مصاحف مكة دون غيرها، فقرأها ابن كثير وجر تحتها بها، وحذفها الباقون فانتصب تحتها على الظرفية، فقوله: وزاد من، أي: كلمة من. اهـ.
هذا وإن القرآن أنزل على أوجه، كلها من عند الله، تكلم بها حقيقة، وتلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل بهذه الأوجه كلها، وأقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بها جميعا. فكل واحد منهم يقرأ بوجه منها، وكلها من كلام الله حقيقة. فلما كتب الخليفة الراشد: عثمان بن عفان رضي الله عنه المصحف الإمام لم يمكنه أن يجمع هذه القراءات في مصحف واحد، لأن هذا يتطلب أن تكتب الكلمة ذات الوجهين مرتين، فكتبه على لغة قريش، وأمر باستنساخ نسخ منه للأمصار، وفرق أوجه القراءات الصحيحة كلها في هذه النسخ؛ فجاءت بعض الكلمات مثبتة في بعض النسخ ومحذوفة في بعضها؛ كي يحفظ للأمة جميع أوجه القراءة، كما نزلت من عند الله تعالى. وقد عقد الإمام أبو عمر الداني في كتابه (المقنع في رسم مصاحف الأمصار) بابا لذكر ما اختلفت فيه مصاحف أهل الحجاز والعراق والشام المنتسخة من (المصحف) الإمام بالزيادة والنقصان. فقال: فإن سأل عن السبب الموجب لاختلاف مرسوم هذه الحروف الزوائد في المصاحف؟ قلت: السبب في ذلك عندنا أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لما جمع القرآن في المصاحف ونسخها على صورة واحدة وآثر في رسمها لغة قريش دون غيرها مما لا يصحّ ولا يثبت؛ نظرا للأُمّة واحتياطا على أهل الملة، وثبت عنده أن هذه الحروف من عند الله عز وجل كذلك منزلة، ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسموعة، وعلم أن جمعها في مصحف واحد على تلك الحال غير متمكّن إلا بإعادة الكلمة مرتّين، وفي رسم ذلك كذلك من التخليط والتغيير للمرسوم ما لا خفاء به، ففرقها في المصاحف لذلك، فجاءت مثبتة في بعضها ومحذوفة في بعضها؛ لكي تحفظها الأمة كما نزلت من عند الله عز وجل، وعلى ما سُمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا سبب اختلاف مرسومها في مصاحف أهل الأمصار. اهـ.
وعقد قبله الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في (فضائل القرآن) بابا لحروف القرآن التي اختلفت فيها مصاحف أهل الحجاز وأهل العراق، ثم بابا في الحروف التي اختلفت فيها مصاحف أهل الشام وأهل العراق، وقد وافقت أهل الحجاز في بعض وفارقت بعضا، فليراجعه من شاء.
والله أعلم.