السؤال
طلب مني أحد الأصدقاء قرضاً واتفقنا على أن يرجع القرض خلال 3 أسابيع إلى شهر، لكن بعد إقراضه المبلغ تذكرت أن صديقي لديه حلاق، والمبلغ الذي سيرده لي سوف يكون من دخل هذا الحلاق، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.
طلب مني أحد الأصدقاء قرضاً واتفقنا على أن يرجع القرض خلال 3 أسابيع إلى شهر، لكن بعد إقراضه المبلغ تذكرت أن صديقي لديه حلاق، والمبلغ الذي سيرده لي سوف يكون من دخل هذا الحلاق، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإذا كان صديقك سيوفيك دينك من دخل هذا الحلاق، ودخل هذا الحلاق من الحرام كحلق اللحى أو قص الشعور بما فيه تشبه بالكافرين ونحو ذلك من المحرمات، أو الغالب على دخله هذا، فلا حرج عليك في قبوله عوضاً عن حقك على الراجح من أقوال أهل العلم، لعدم تعلق الحرام بعين هذا المال بل بذمة مكتسبه، وإن كان الغالب على دخل الحلاق الحلال فالأمر أيسر، ولك أن تأخذ ما سيوفيك عوضاً عن حقك، ولعل من المناسب أن نعرض خلاف أهل العلم في ذلك، نظراً لكثرة ما يتعلق بهذا الموضوع من مسائل تمس إلى معرفتها حاجة كثير من المستفتين. فقد وقع الخلاف بين العلماء في حكم استرداد الدائن دينه من مدين حاز ما معه من مال بطريق غير مشروع، ومن كسب حرام، وسبب الخلاف في المسألة، أساسه: هل الحرام في المال المكتسب بطريق غير مشروع يثبت في عين المال، ومن ثم يكون حق صاحب هذا المال الذي أخذ منه قد تعلق بعين المال؟، أم أن الحرام في المال الحرام يثبت في ذمة مكتسب المال الحرام دون عين المال؟! وبناء على هذا التنازع في حقيقة الحرام في المال اختلفت أقوال العلماء في حكم استيفاء الدائن دينه من مال يعلم أن المدين قد اكتسبه من مصدر حرام، وفي ما يلي بيان أقوالهم: القول الأول: يجوز أخذ المال الحرام والانتفاع به سداداً عن الدين قضاءً ولا يجوز ديانة، وهذا قول الإمام محمد بن الحسن من الحنفية، فقد ذكر السمرقندي في عيون المسائل عن محمد بن الحسن أنه قال في كسب المغنية والنائحة أكرهه، وإن كانت مغنية فاتنة تقضيه يعني لإنسان عليها من كسب الغناء، لم يسعه أن يأخذه لأنه بمنزلة الغصب، وهذا في ما بينه وبين الله، وأما في القضاء فإنه يجبر الغريم على أخذه، ففرق رحمه الله بين اقتضاء الدائن دينه من مال حرام بحكم القضاء، وبين اقتضائه دينه برد المدين ما أخذه من مال دون قضاء، فإن كان المدين قد أجبر على رد الدين إلى صاحبه وكان من مال حرام، لزم الدائن قبول هذا المال جبراً وليس له أن يرفضه، بل عليه أخذه، أما إذا قام المدين برد الدين من مال حرام، دون أن يكون هناك قضاء قاضٍ، لم يلزم الدائن أخذ هذا المال الحرام سداداً عن دينه، بل يلزمه ديانة أن يرفضه ولا يجوز له أخذ، لأنه بمنزلة الغصب وأخذ مال الغير. القول الثاني: يجوز أخذ المال الحرام والانتفاع به سداداً عن الدين إذا كان الحلال في المال غالباً على الحرام، وهو قول ابن القاسم من المالكية بناءً على أن قاعدة الشرع اعتبار الغالب [البيان والتحصيل]18/514. القول الثالث: لا يجوز أخذ المال الحرام والانتفاع به إذا كان سداداً عن دين، ويحرم على المسلم أن يقتضي دينه من الدائن الذي يكسب المال من طريق حرام، وهو قول ابن وهب من المالكية وأصبغ وأحمد بن نصر الداودي، وقد سئل الداودي عمن كان له دين على متفرق الذمة بالتبعات أو الظلامات، ولا يكاد يحصي أهل التبعات، ولا يفي ما بيده بما عليه ولا يعلم منتهى ما عليه؟ فأجاب: لا يجوز لأحدٍ أن يقتضي منه شيئاً لأن الحصاص -أي تقسيم المال إلى حصص- يجب في ماله، وهو لا يمكن، ولا يجوز لأحدٍ أخذ شيء لا يدري هل يجب له أم لا.[البيان والتحصيل18/515]. وأصحاب هذا القول لا يفرقون بين استيفاء الدين من عين المال الحرام أو من مال حرام اختلط به مال حلال، فالكل مع وجود الحرام حرام، وقد أوضح القرافي موقف علماء المالكية في هذه المسألة ولخص آراءهم وبينها، فقال: فإن كان الغالب الحلال أجاز ابن القاسم معاملته واستقراضه، وقبض الدين منه، وقبول هديته وهبته وأكل طعامه، وحرم جميع ذلك ابن وهب وكذلك أصبغ، على أصله من أن المال إذا خالطه حرام يبقى حراماً كله يلزمه التصدق بجميعه. القول الرابع: التفرقة بين ما إذا كان الدائن يعلم حقيقة المال الحرام الذي دفعه المدين سداداً عن دينه، أو كان لا يعلم. فإن كان الدائن يعلم حقيقة هذا المال وأنه من كسب حرام، حرم عليه أن يأخذه سداداً عن دينه، لأنه يلزم المدين أن يرده إلى مالكه لا أن يدفعه سداداً عن دينه ويفوته على مالكه، ومن ثم كان الواجب على الدائن أن لا يقبله حتى يعود على صاحبه. وممن ذهب إلى هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية فقال رحمه الله: ما في الوجود من الأموال المغصوبة والمقبوضة بعقود لا تباح بالقبض، إن عرفه المسلم اجتنبه، فمن علمت أنه سرق مالاً أو خانه في أمانته و غصبه فأخذه من المغصوب قهراً بغير حق لم يجز لي أن آخذه منه، لا بطريق الهبة ولا بطريق المعاوضة ولا وفاء عن أجرة ولا ثمن مبيع ولا وفاء عن قرض، فإن هذا عين مال ذلك المظلوم.... أما إن كان الدائن لا يعلم حقيقة المال وأنه من كسب حرام، فلا يحرم عليها استيفاء دينه منه، لأن الأصل أن ما في يد المسلم من مال يكون ملكاً له، فإن وقع الشك في مصدر هذا المال حكمنا بالأصل استصحاباً وبنينا الحكم عليه، وكذلك لو كان في ماله حلال وحرام مختلط لم يحرم استيفاء دينه منه، قال الدكتور عباس أحمد محمد الباز في كتابه أحكام المال الحرام: فإن كان ما مع المدين من مال حرام بأن كان قد غصبه أو سرقه أو أتى به من الربا أو القمار... ولم يعلم الدائن بذلك وكان جاهلاً لأمر هذا المال، فالمجهول كالمعدوم ولا يحرم عليه أخذه، لأن أخذه وقع عوضاً عن حقه، وكذلك إن كان في ماله حلال وحرام مختلط، فإذا كان له مال حلال قد اختلط بما أخذ من مال من مصدر حرام بحيث لا يتميز المال الحلال من المال الحرام، فإن هذا الاختلاط لا يمنع الدائن من استيفاء دينه من هذا المال الحلال الذي اختلط به المال الحرام، لأن حق المظلومين ثبت في الذمة، وهذه الأموال التي في يده لا يستحقها المظلومون بعينها، فتكون معاوضته عليها جائزة، وعليه أن يعطي المظلوم ما أخذه بغير حق وأن يعيد إليه ماله. قال ابن تيمية: وبهذا أفتى من شاء الله من العلماء، وهذا كسائر من عليه دين للناس وهو ظالم بمطله للغرماء. والترجيح بين هذه الأقوال يقتضي التفرقة بين حالتين: الحالة الأولى: وهي إذا ما تيقن الدائن أن المدين يقضيه دينه من مال محترم أخذه سرقة أو غصباً فإنه لا يجوز له أن يأخذ هذا المال وفاءً عن دينه، لأنه بذلك يكون قد اعتدى على حق غيره باستيفائه دينه من مال غيره، وهذا لا يجوز، وقد تقدم النقل عن شيخ الإسلام بما يؤكد ذلك. الحالة الثانية: إذا كان المدين قد أخذ المال الحرام من مالك غير معين، ككسب المغنية وكالمال المأخوذ بالفائدة الربوية أو بالقمار أو اليانصيب، أو ما شابه ذلك من وسائل كسب محرمة، لا يكون باذل المال فيها معلوما، فلا بأس على الدائن أن يقضي دينه من مثل هذا المال، لأن الأموال التي حازها المسلم بطريق حرام ولم يعرف لها مالك بعينه، تثبت المطالبة بها في ذمة من حازها لا في ذات المال. وممن أوضح هذا المعنى شيخ الإسلام حيث قال رحمه الله: فإن المحرمات قسمان محرم لعينه كالنجاسات من الدم والميتة، ومحرم لحق الغير وهو ما جنسه مباح من المطاعم والمساكن والملابس والمراكب والنقود وغير ذلك. وتحريم هذه جميعها يعود إلى الظلم فإنها تحرم لسببين: أحدهما: قبضها بغير طيب نفس صاحبها ولا إذن الشارع، وهذا هو الظلم المحض، كالسرقة والخيانة والغصب الظاهر، وهذا أشهر الأنواع بالتحريم. والثاني: قبضها بغير إذن الشارع وإن إذن صاحبها، وهي العقود والقبوض المحرمة، كالربا والميسر ونحو ذلك، والواجب على من حصلت بيده ردها إلى مستحقها، فإذا تعذر ذلك فالمجهول كالمعدوم، وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة: فإن وجدت صاحبها فارددها إليه، وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء. ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن اللقطة التي عرف أنها ملك لمعصوم وقد خرجت عنه بلا رضاه، إذا لم يوجد فقد آتاها الله لمن سلطه عليها بالالتقاط الشرعي... وهذا النوع الثاني إنما حرم لتعلق حق الغير به، فإذا كان الغير معدوماً أو مجهولاً بالكلية أو معجوزاً عنه بالكلية سقط حق تعلقه به مطلقاً، كما يسقط تعلق حقه به إذا رجي العلم به أو القدرة عليه إلى حين العلم والقدرة كما في اللقطة سواء كما نبه النبي عليه بقوله: فإن جاء صاحبها، وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء. ، فإنه لو عدم المالك انتقل الملك عنه بالاتفاق فكذلك إذا عدم العلم به. فبهذا النقل يتبين أن هذه الأموال التي اكتسبت بطريق محرم بإذن صاحبها ولا يعلم صاحبها تتعلق بذمة الآخذ لا بعين المال. والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني