السؤال
جزاكم الله خيرًا على تعبكم معنا، ونسأل الله أن يثيبكم أفضل الثواب.
أسأل عن حكم قصاص التعذيب. إذا عذب المسلم في حالتين:
1- عُـذَّب حتى الموت
2- عذب ولم يمت
في الحالة (1) إذا طلب أهله قصاص التعذيب (يعذب الجاني بمثل ما عذب به الضحية)
1- ما حكم تعذيب الجاني حتى الموت؟
2- هل يقتل الجاني بضربة بالسيف بالرغم من اختلاف طرق القتل التي مارسها؟
3- إذا أصرّ أهل المجني عليه على التعذيب. هل يعذب الجاني ويترك؟ أم يقتل ولا يعذب؟
الحالة (2)
1ب- ما حكم قصاص التعذيب أساسًا؟
2ب - هل يـُـعَـذَّب الجاني (حرفيًا) بنفس الأسلوب الذي عذب به الضحية مهما كانت بشاعة التعذيب؟
3ب- إذا كان جواب السؤال (2ب) سلبيًا هل يخفف التعذيب على الجاني ؟
4ب - هل يختلف الأمر إذا سبب التعذيب حالة مستديمة سواء للجاني أو المجني عليه؟ (بتر أطراف . خلع . إلخ)
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنقول على وجه الإجمال: إن خلاصة ما ذكر في السؤال من الأحوال أن التعذيب إما أن يترتب عليه: موت، أو ذهاب عضو، أو ذهاب منفعته مع بقاء صورته. وإما ألا يترتب عليه شيء من ذلك. وفي كل الأحوال فإن القصاص إنما يشرع إذا أمكن استيفاؤه من غير حيف، وأما مع عدم أمن الحيف، فالبدل هو التعزير والدية بحسب أثر الجناية على النفس أو ما دونها.
وبسبب مراعاة عدم الحيف لم ير جمهور الفقهاء مشروعية القصاص في اللطمة والضرب بالسوط ونحوه، إذا لم يترتب عليه جرح ونحوه، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اختلف في القصاص في اللطمة إن لم تحدث جرحا أو شقا، أو لم تذهب منفعة عضو، وذلك لعدم الانضباط .. أما إن أحدثت جرحا أو شقا أو ذهب بها منفعة عضو ففيها قصاص. أما الضرب بالسوط فقد نص المالكية على أن فيه القصاص. ويفهم من عبارات بقية المذاهب عدم وجوب القصاص فيه إلا إن أحدث جراحة، ونحوها. اهـ.
وفي حال مشروعية القصاص في الجناية على النفس، فقد اختلف أهل العلم هل يكون ذلك بالسيف وحده، أم يقتل القاتل بالطريقة نفسها التي قتل بها؟ جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الحنفية وهو الأصح عند الحنابلة إلى أن القصاص لا يستوفى إلا بالسيف، سواء أكان ارتكاب الجريمة بالسيف أم بغيره. وإذا أراد الولي أن يقتل بغير السيف لا يمكن من ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا قود إلا بالسيف" وللنهي الوارد في المثلة؛ ولأن في القصاص بغير السيف زيادة تعذيب، فإن فعل الولي به كما فعل فقد أساء بالمخالفة، ويعزر، لكن لا ضمان عليه، ويصير مستوفيا بأي طريق قتله، سواء أقتله بالعصا أم بالحجر أم بنحوهما؛ لأن القتل حقه. وقال المالكية والشافعية وهو رواية عند الحنابلة: لأهل القتيل أن يفعلوا بالجاني كما فعل، يقتل بمثل ما قتل؛ لقوله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} ولما ورد أن يهوديا رض رأس امرأة مسلمة بين حجرين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه كذلك. ويستثنى القتل بالسحر أو اللواط أو الخمر أو نحوها من الممنوعات فلا يقتص في هذا بالمثل، وزاد المالكية القتل بما يطول كمنعه الطعام أو الماء حتى مات، ففي هذه الحالات يتعين الاستيفاء بالسيف. اهـ.
كما اختلف أهل العلم أيضا في استحقاق القصاص بالجناية التي تذهب بمنفعة العضو مع بقاء صورته، جاء في الموسوعة الفقهية: قد يترتب على الاعتداء بالضرب أو الجرح زوال منفعة العضو مع بقائه قائما، كمن يلطم شخصا على وجهه أو يجرحه في رأسه، فينشأ عن ذلك ذهاب البصر أو السمع مع بقاء العضو سليما. وقد اختلف الفقهاء في وجوب القصاص في ذهاب منفعة العضو:
فذهب المالكية والحنابلة إلى أنه يقتص في البصر والسمع والشم، وكذلك الشافعية في البصر والسمع اتفاقا، وفي البطش والذوق والشم في الأصح عندهم؛ لأن لها محال مضبوطة، ولأهل الخبرة طرق في إبطالها. وزاد المالكية غير ذلك من المعاني، فإنه يجري عندهم القصاص في هذه المعاني وغيرها.
وأما الحنفية فلا يجوز عندهم القصاص إلا في زوال البصر دون سواه؛ لأن في ذهاب البصر قصاصا في الشريعة، أما إذا أدى الاعتداء إلى ذهاب العقل ، أو السمع ، أو الكلام ، أو الشم ، .... ، أو الجماع ، أو ماء الصلب ، أو إلى شلل اليد أو الرجل ، فلا يجب القصاص. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى: 254710، 118643، 55201.
وفي هذا القدر كفاية لإجمال الكلام في هذه المسائل، وأما التفصيل فليس هذا بمحله.
والله أعلم.