السؤال
جدتي امرأة مسنة، لديها ١٠ أبناء ذكور وإناث، وهي جليسة الفراش، تحتاج لمن يخدمها وينام عندها، يقوم برعايتها ستة من أبنائها، يتناوبون فيما بينهم، بعضهم يخدمها بنفسه، وبعضهم يرسل لها خادمة أو زوجته، أما الأربعة الباقون، ومن بينهم أمي لا يقومون بخدمتها، ثلاثة منهم خارج البلاد، وأمي تذهب تزورها وتطمئن عليها فقط، لأن أمي تعمل كل أيام الأسبوع، ولا تستطيع أن تأخذ إجازة، فهي مجبرة أن تعمل، لأنه لا يوجد أحد ينفق على إخوتي إلا هي، ولا تستطيع أن تجلب لجدتي خادمة، لأن راتبها بالكاد يكفي مصاريف إخوتي، وجدتي تقدّر ظروف أمي، ولا تغضب منها، لكن أخوالي وخالتي منزعجون، ويريدون من أمي ترك العمل وخدمة أمها، مع العلم أنها في السابق عندما كان أخوالي يرسلون لها القليل من النقود، كانت لا تعمل، وكانت تقوم بخدمة أمها.
أمي الآن ضميرها يؤنبها، وتخشى أن تكون مذنبة بحق والدتها. فهل أمي آثمة؟ وهل يجب عليها ترك عملها وخدمة أمها؟ مع العلم أن جدتي لديها مال وذهب، وتستطيع أن تأتي بخادمة، لكنها تدخر النقود، ولا تنفقها، أما أمي فلا مورد لها إلا هذا العمل، فإن تركته فلن تستطيع الإنفاق على نفسها وعلى إخوتي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق وأن بينا أن الوالد -أبًا كان أو أمًا- إن لم يكن له مال، تجب نفقته على أولاده جميعًا كل حسب يساره، وكذلك إن كان في حاجة إلى رعاية وعناية، فذلك واجب عليهم جميعًا كل حسب قدرته، فإن لم يمكنهم خدمتها بالنفس فبتوفير خادم لها، فيمكن مراجعة الفتاوى: 20338، 110382، 127286.
فإن كانت جدتك لها من المال ما يمكن الإنفاق عليها منه، وتوفير خادمة لها تقوم على رعايتها والعناية بها، فلا يجب على أي من أولادها الإنفاق عليها، فلا يجب على أمك في هذه الحالة أن تنفق على أمها أو أن تترك العمل لرعايتها، خاصة وأنها تعمل لتنفق على نفسها وأولادها كما ذكر، وكما أسلفنا فلو كانت أمها في حاجة للنفقة أو الرعاية لكان ذلك واجبًا على جميع أولادها كل بحسبه.
وعلى أمكم أن تستمر في تعاهدها بالزيارة، وتفقد أحوالها، ومساعدتها بما أمكن، فبر الوالدين من أعظم القربات ولا سيما الأم، روى البخاري في الأدب المفرد -وصححه الألباني- عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أتاه رجل فقال: إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أمك حية؟ قال : لا ، قال: تب إلى الله عز وجل وتقرب إليه ما استطعت. قال عطاء: فذهبت فسألت ابن عباس: لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عزو جل من بر الوالدة.
وقيام أبنائها الستة بالتناوب عليها للاهتمام بها ورعايتها أمر طيب، فينبغي أن لا يغيب عن أذهانهم أنهم يقومون بعمل جليل سبقوا به غيرهم، وأكرمهم الله به حين حرم منه غيرها من أولادهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
والله أعلم.