السؤال
ما حكم رد الإساءة على أحد من آل البيت، أو عدم العفو عنهم فيما يخص حقوقنا؟ ولو أسأنا إليهم، فهل هذا يغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا؟ وهل يمكن أن يكره النبي -صلى الله عليه وسلم- أحدًا بدون سبب شرعي؟
ما حكم رد الإساءة على أحد من آل البيت، أو عدم العفو عنهم فيما يخص حقوقنا؟ ولو أسأنا إليهم، فهل هذا يغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا؟ وهل يمكن أن يكره النبي -صلى الله عليه وسلم- أحدًا بدون سبب شرعي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن المحسن من آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ له مزيد فضل؛ لقرابته.
وأما المسيء؛ فهو كسائر المسيئين، إن لم يكن أشد منهم.
قال الشوكاني رحمه الله: لاشك ولا ريب أنَّ أهل هذا البيت المطهَّر لهم من المزايا والخصائص والمناقب ما ليس لغيرهم، وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية شاهدة لهم بما خصهم الله به من التشريف والتكريم، والتبجيل والتعظيم.
وأما القول برفع العقوبات عن عصاتهم، وأنهم لا يُخاطَبون بما اقترفوه من المآثم، ولا يُطالَبُون بما جنوه من العظائم، فهذه مقالة باطلة ليس عليها أَثارةٌ من علم .... فإن العاصي من أهل هذا البيت الشريف المطهر إذا لم يكن مستحقًّا على معصيته مضاعفة العقوبة، فأقل الأحوال أن يكون كسائر الناس. فيا من شرفه الله بهذا النسب الشريف! إياك أن تغتر بما ينمقه لك أهل التبديل والتحريف. اهـ. بتصرف من كتاب الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني .
وعليه فرد الإساءة بمثلها على أحد من آل البيت جائز، وإن كان عدم رد الإساءة عليهم أولى، وكذلك يجوز للمرء ألَّا يعفو عنهم فيما يخص حقوقه. وإن عفا عنهم فأفضل، وأجره على الله.
وإنما قلنا إن ذلك هو أولى وأفضل؛ للأدلة المرغبة في العفو والصفح والصبر على الأذى، ولحفظ وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آل بيته.
قال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ {النحل: 126-127}، وقال الله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134}. وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ {الشورى:40}. وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22}.
وفي صحيح مسلم -من حديث أبي هريرة- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا يعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
وقد سئلت عائشة -رضي الله عنها- عن خلق رسول الله، فقالت: لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، ولا صخابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- -يوم غدير خم-: أذكركم الله في أهل بيتي. رواه مسلم.
وأما الإساءة للناس عموما، ولآل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- خصوصا، فهي محرمة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَاهُنَا -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ. رواه مسلم.
وعن عبد المطلب بن ربيعة قال: دخلِ العباس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إنا لنخرج فنرى قريشًا تَحَدَّث، فإذا رأونا سكتوا، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودَرَّ عرْق بين عينيه، ثم قال: والله لا يدخل قلبَ امرئ إيمانٌ حتى يحبكم لله، ولقرابتي. رواه الإمام أحمد.
وأما سؤالك عن غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا إن رددنا الإساءة عليهم، أو لم نَعْف عنهم، أو أسأنا إليهم، فهذا من أمور الغيب التي لا سبيل إلى العلم بها.
وكذلك القول في كره النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك، ولكن على جهة العموم نقول: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب ما يحبه الله، ويبغض ما يبغضه الله، ويغضب إذا انتهكت محارم الله، ويقضي -صلى الله عليه وسلم- بالعدل، ويرغب في الفضل والعفو والصفح كما مرّ.
فحاشا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو كان حيًّا أن يغضب ممن قابل الإساءة بمثلها، أو يكره من أخذ حقه من خصمه.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني