السؤال
أنا شاب مغترب، وسأرجع إلى بلادي في السادس والعشرين من الشهر الجاري، لا يعرف ذلك سوى والدي، وقد أبلغت والدتي بأني سأرجع في الرابع والعشرين، وقد حضرنا الأمر، أنا، وأبي مفاجأة لها، وفي مكالمة معها زل لساني، وقلت: إني سأرجع في الرابع والعشرين، وجلست أقنعها أني سأرجع في السادس والعشرين، وقالت: إنها لن تصدقني، حتى أحلف، فحلفت؛ كي لا أفسد المفاجأة، وقد علمت أنه يمين غموس، وخفت من بعد ما قرأت حكمه أنه من الكبائر، فهل أدفع كفارة، أم أكتفي بالتوبة، أم الإثنين؟ وهل من مغفرة فيه؛ لأنه ليس أمرا عظيما يستوجب أن أحلف كذبا فيه؟
أفتونا جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كنت حلفت بالله -تعالى- كاذبا متعمدا؛ فهذه يمين غموس، وهي من كبائر الذنوب، والواجب عليك التوبة إلى الله -جل وعلا- منها، بالندم على ما فعلت، والإقلاع، والعزم على عدم العودة إليه.
وأما عن الكفارة: فإن اليمين الغموس لا تجب فيها كفارةٌ عند جماهير العلماء، وذهب الشافعي -رحمه الله- إلى وجوب الكفارة، وهي رواية عند الحنابلة.
قال ابن هبيرة -رحمه الله- في اختلاف الأئمة العلماء: اختلفوا في اليمين المغموس، هل لها كفارة؟ فقال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد في إحدى روايتيه: لا كفارة لها؛ لأنها أعظم من أن تكفر، وقال الشافعي، وأحمد في الرواية الأخرى: تكفر، واليمين الغموس: هي الحلف بالله على أمرٍ ماضٍ متعمد الكذب فيه. انتهى.
وإذا تبت إلى الله توبة صحيحة؛ فأبشر بعفو الله، ومغفرته، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}.
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر 53}.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال: سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله: يا ابن آدم، إِنَّكَ ما دَعَوْتَني، ورَجَوْتَني: غفرتُ لك على ما كانَ مِنكَ، ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ، لو بلغتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ، ثم استَغْفَرتَني: غَفَرْتُ لك، ولا أُبالي، يا ابنَ آدم إِنَّكَ لو أتيتني بِقُرابِ الأرض خَطَايا، ثم لَقِيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئا: لأَتَيْتُكَ بِقُرابِها مَغْفِرَة. أخرجه الترمذي.
وإن أردت الاحتياط بإخراج كفارة يمين؛ فهذا حسن.
والله أعلم.