الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رتبة حديث: قُلنا يا رسولَ اللَّهِ كيفَ أُسريَ بِكَ...

السؤال

ما صحة هذا الحديث؟ قُلنا: يا رسولَ اللَّهِ كيفَ أُسريَ بِكَ؟ قالَ: صلَّيتُ لأصحابي صلاةَ العتَمةِ بمَكَّةَ معتَّمًا فأتاني جبريلُ بدابَّةٍ بيضاءَ، فوقَ الحمارِ، ودونَ البغلِ، فقالَ: ارْكب، فاستصعب عليَّ فرازَها بأذُنِها، ثمَّ حملني عليْها، فانطلقت تَهوي بنا، يقعُ حافرُها حيثُ أدرَكَ طرفُها، حتَّى بلغنا أرضًا ذاتَ نخلٍ، فأنزلني فقالَ صلِّ، فصلَّيتُ، ثمَّ رَكبنا، فقالَ: أتدري أينَ صلَّيتَ؟ صلَّيتَ بيثربَ، صلَّيتَ بطيبةَ، فانطلقَت تَهوي بنا يقعُ حافرُها حيثُ أدرَكَ طرفُها، ثمَّ بلَغنا أرضًا، فقالَ أنزل فصلِّ، ففعلتُ، ثمَّ رَكبنا، قالَ: أتدري أينَ صلَّيتَ؟ قلتُ اللَّهُ أعلمُ؟ قالَ: صلَّيتَ بِمَدينَ عندَ شجرةِ موسى -عليْهِ السَّلامُ- ثمَّ انطلَقت تَهوي بنا يقعُ حافرُها حيثُ أدرَكَ طرفُها، ثمَّ بلَغنا أرضًا بدت لنا قصورٌ، فقالَ أنزِل فصلَّيتُ، ورَكِبنا، فقالَ لي: صلَّيتَ ببيتِ لحمٍ، حيثُ وُلِدَ عيسى، ثمَّ انطلقَ بي حتَّى دخلنا المدينةَ من بابِها اليمانيِّ، فأتى قبلةَ المسجدِ، فربطَ فيهِ دابَّتَهُ، ودخَلنا المسجدَ من بابٍ فيهِ تميلُ الشَّمسُ والقمَرُ، فصلَّيتُ منَ المسجدِ حيثُ شاءَ اللَّهُ، وأخذني منَ العطَشِ أشدُّ ما أخذني، فأتيتُ بإناءينِ لبنٍ وعسلٍ، أرسلَ إليَّ بِهما جميعًا، فعدلتُ بينَهما، ثمَّ هداني اللَّهُ فأخذتُ اللَّبنَ فشربتُ حتَّى قرَعتُ بِهِ جبيني، وبينَ يديَّ شيخٌ متَّكئٌ على مثراةٍ لَهُ، فقالَ أخذَ صاحبُكَ الفطرةَ، إنَّهُ ليُهدى، ثمَّ انطلقَ بي حتَّى أتَينا الواديَ الَّذي في المدينةِ، فإذا جَهنَّمُ تنْكشفُ عن مثلِ الزَّرابيِّ، قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ كيفَ وجدتَها؟ قالَ مثلَ الحمأةِ السُّخنةِ، ثم انصرف بي، فمرَرنا بِعيرٍ لقريش بمَكانِ كذا وَكذا قد ضلُّوا بعيرًا لَهم، قد جمعَهُ فلانٌ، فسلَّمتُ عليْهم، فقالَ بعضُهم هذا صوتُ محمد.... الخ.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه إحدى روايات حديث الإسراء والمعراج، رواها البزار في مسنده، والطبراني في معجمه الكبير، من حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه- وقد نقل هذه الرواية عنه الحافظ ابن كثير في تفسيره، ثم أعقبها بقوله: هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيِّ، بِهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَمَامِهِ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَرَوَى ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي أَحَادِيثَ غَيْرِهِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- مَا حَضَرَنَا، ثُمَّ سَاقَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِي الْإِسْرَاءِ كَالشَّاهِدِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ بِطُولِهِ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ الزُّبَيْدِيِّ، بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ -أَعْنِي الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ - مُشْتَمِلٌ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُنْكَرٌ، كَالصَّلَاةِ فِي بَيْتِ لَحْمٍ، وَسُؤَالِ الصِّدِّيقِ عَنْ نَعْتِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى.

ومع ما في هذه الرواية من النكارة في المتن -كما نص عليه الحافظ ابن كثير- فإنَّ في إسناده نظرًا؛ لأن مداره على إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي، وهو مختلف فيه، وبه أعلَّ هذه الرواية الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد، فقال: رواه البزار، والطبراني في الكبير... وفيه إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، وثَّقه يحيى بن معين، وضعفه النسائي. انتهى.

وقال عنه الحافظ ابن حجر في كتابه تقريب التهذيب: صدوقٌ يَهِمُ كثيرًا، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني