الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء فيمن وهب لأبنائه الذكور دون الإناث وحازوها قبل موته

السؤال

قام جدي -رحمه الله- قبل وفاته بمنح أبنائه الذكور لكل واحد منهم قطعة أرض، دون أن يعطي لبناته. وقد قيل لي: إنه كان يجهل أن للبنات حقًا، حيث كان الجهل بالدين في زمانه شائعًا في القرية، ولم يكن هناك من يعلمهم، كما أن التعليم لم يكن متاحًا أو يسيرًا.
مضى أكثر من ثلاثين عامًا على وفاة جدي، وكل واحد من أبنائه عمل في أرضه حتى أصبحت بساتين، ولم تطالب عماتي بشيء طوال تلك المدة. ثم بعد ذلك، مُنحت هذه الأراضي لنا نحن الأحفاد. وفجأة، بدأ بعض أبناء عماتي بالمطالبة بحق أمهاتهم من تلك الأراضي. كما أن إحدى عماتي جاءت إلى والدي وطالبت بجزء من الأرض.
لكننا نواجه حرجًا وصعوبة في الإعطاء؛ نظرًا لتعقيد الوضع، فبعض عماتي قد ماتت، وبعضهن لا يزلن على قيد الحياة، ومنهن من توفيت ولم تنجب أبناءً، ومنهن من صار لها أحفاد، مما يجعل الأمر معقدًا جدًا. بالرغم من أن والدي قام منذ زمن بإعطاء أخواته مالًا لتبرئة ذمته، إلا أنني لا أرى أن ذلك المال كان كافيًا أو مجزيًا.
أنا في الحقيقة أسأل عن موقفي من كل هذا: هل يقع الإثم عليّ، أم على والدي، أم على جدي؟ مع العلم أن قطع الأراضي ليست ميراثًا، بل منحة منحها جدي في حياته لأبنائه الذكور دون الإناث. وهل هناك حل يُمكنني القيام به، كأن أتصدق عن عماتي؟ لأنني مهما حاولت، لا أستطيع شرح مدى صعوبة الموقف.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دامت هذه العطية تمت في حياة الجد، وحازها أبناؤه الذكور، فهي هبة صحيحة.

وأما تخصيص الذكور بذلك دون الإناث لمجرد كونهم ذكورًا، دون مسوغ شرعي، كالفقر والحاجة، فهذا مكروه عند جمهور الفقهاء، ومحرم عند الحنابلة. وراجعي في ذلك الفتوى: 123771.

فعلى قول الجمهور: لا إثم على الجد الذي فاضل بين أولاده في الهبة.

وأما صحة الهبة ونفاذها، فحتى الحنابلة الذين يوجبون التسوية بين الأولاد، يحكمون بصحة الهبة ولزومها إذا مات الواهب قبل استردادها، في المعتمد من مذهبهم. قال الخرقي في مختصره: إن مات ولم يردده، فقد ثبت لمن وهب له، إذا كان ذلك في صحته. اهـ.

وقال ابن قدامة في شرحه «المغني»: يعني إذا فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية، ثم مات قبل أن يسترده، ثبت ذلك للموهوب له، ولزم، وليس لبقية الورثة الرجوع. هذا المنصوص عن أحمد، في رواية محمد بن الحكم، والميموني، وهو اختيار الخلال، وصاحبه أبو بكر. وبه قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأكثر أهل العلم، وفيه رواية أخرى عن أحمد أن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه. اختاره ابن بطة وأبو حفص العكبريان. وهو قول عروة بن الزبير، وإسحاق. اهـ.

وهذه الرواية الثانية هي اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال: لا يجوز للولد الذي فُضِّلَ أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يرد ذلك في حياة الظالم الجائر، وبعد موته كما يرد في حياته، في أصح قولي العلماء اهـ.

وعلى المعتمد في المذاهب الفقهية الأربعة، فإن هبة الوالد لأبنائه الذكور دون بناته، تصح وتلزم إذا مات على ذلك. وليس لبقية الورثة من البنات -فضلا عن ورثتهن- أن يرجعن بشيء مما فُضِّلَ به الذكور بعد موت الواهب. ولكن إن تطوع الذكور أو ورثتهم بذلك فهو أفضل وأورع؛ خروجًا من الخلاف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني