السؤال
أنا رجل أعيش في الغرب، الغرب بكل ما فيه من مغريات وقد كثر الإفتاء لكل شيء هنا بحكم الاضطرار حتى صار بعضهم يفتي لنفسه والبعض الآخر يتستر وراء الاضطرار لتحقيق مآربه فكيف أستطيع أنا كمسلم التعامل مع مثل هؤلاء الذين يتنازلون عن ثوابت ومسلمات باسم الدين ويوسمون الملتزم في هذه الأشياء بالمتطرف، هل أصبح الإسلام يتماشى مع الواقع حتى أصبح بعض الدعاة يخاف أن يقول أمراً قد ينفر مسلما حديث الإسلام فيوافقه على أمر سيء ولا يلومه على أمر واجب؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الضرورة مشتقة من الضرر، وهو ضد النفع، ومعناها في الشرع: بلوغ الإنسان حداً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب الهلاك، والحكم على شيء بأن فعله من باب الضرورة ليس إلى كل أحد، وإنما ذلك إلى أهل الاجتهاد من العلماء الذين عرف عنهم -مع البسطة في العلم- الورع ومراقبة الله جل وتعالى.
ونقول لك: لا تغتر بمن يستهين بشرع الله فلا يقف عند حدوده، فنحن في زمان فتنة، القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، فليس العجب ممن هلك كيف هلك، إنما العجب ممن نجا كيف نجا؟! فالناكصون على أعقابهم أضعاف أضعاف من اقتحم العقبة!! وأما التعامل مع هؤلاء فهو أن ينصحوا ويبين لهم الحق بحكمة وموعظة حسنة، ومن كان منهم مصراً على باطل ولم ينفع فيه النصح فحذروا الناس منه وبينوا لهم الحق، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 14585، 32711، 51199.
ثم اعلم أن المسلم مطلوب منه إخضاع الواقع ليكون جارياً على مقتضى الشرع، لا مسايرته وموافقته ولو جرى على خلاف المشروع، فمواكبة العصر لا تكون بمخالفة أحكام الله وشرعه.
وأما مراعاة حال حديثي الإسلام، والتدرج معهم في دعوتهم، وعدم تنفيرهم وهم في أول الطريق -فإنه من الحكمة- وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة الناس، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: يا عائشة؛ لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين، باباً شرقياً وباباً غربياً، فبلغت به أساس إبراهيم. رواه البخاري ومسلم.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام، منها: إذا تعارضت المصالح، أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة - بدئ بالأهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه، وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريباً، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة، فيرون تغييرها عظيماً، فتركها صلى الله عليه وسلم.. ومنها: فكر ولي الأمر في مصالح رعيته واجتنابه ما يخاف منه تولد ضرر عليهم في دين أو دنيا، إلا الأمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة الحدود ونحو ذلك، ومنها: تألف قلوب الرعية وحسن حياطتهم، وأن لا ينفروا، ولا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه- ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي، كما سبق. انتهى.
هذا وننبهك إلى حرمة الإقامة في بلاد الغرب إلا لضرورة، قال صلى الله عليه وسلم: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا يا رسول الله: ولم؟ قال: لا تراءى ناراهما. رواه أبو داود وغيره، وصححه الألباني، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2007، 10043، 10334، 20063، 37470.
والله أعلم.