السؤال
في صلاة التراويح يقوم الإمام بقراءة بعض السور كالحاقة مثلا وق وأغلبية المصلين يبكون ولكني لا أحس بالبكاء مع إحساسي بالقشعريرة عند القراءة ومتابعتي للإمام أي أنني لا أنشغل بأمور الدنيا في الصلاة، فهل هذ راجع إلى قسوة القلب وهل علي ذنب في هذا الأمر، ثم هناك بعض المصلين يبكون بصوت عال، فهل هذا جائز؟ وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الناس يختلفون في تأثرهم بسماع القرآن، فمنهم من يخشع قلبه ويقشعر جسده ولا تفيض بالدمع عينه وهذا على خير لأن الله جل وعلا يقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {الأنفال:2}، ومن الناس من يوجل قلبه وتفيض بالدمع عينه فهذا أكمل إن سلم من آفة الرياء، وعلى كلِ فإن التأثر بالقرآن والقشعريرة عند سماعه مع جمود العين عن البكاء من خشية الله تعالى أمر محمود، ومع ذلك فإنه يعد مرتبة أدنى من المرتبة السابقة وللترقي والعلاج ينبغي للمسلم أن يجاهد نفسه بأربعة أمور كما ذكر ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان:
الأول: بالقرآن الكريم، فإنه شفاء لما في الصدور من الشك، ويزيل ما انطوت عليه من الشرك، ودنس الكفر، وما فيها من أمراض الشبهات والشهوات، وهو هدى لمن علم الحق وعمل به، كما أنه رحمة لما يحصل به للمؤمنين من الثواب العاجل والآجل، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57}، وقال جل وعلا: أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {الأنعام:122}.
الثاني: ما يحفظ عليه قوته ومادته، ويكون ذلك بالإيمان وبالعمل الصالح، ولزوم أوراد الطاعات.
الثالث: الحمية عن المضار، وتكون باجتناب جميع المعاصي والمخالفات.
الرابع: الاستفراغ من كل مادة مؤذية، ويتم ذلك بالتوبة والاستغفار وفقنا الله وإياك للتوبة النصوح والعمل بما يرضيه تعالى إنه سميع مجيب.
وأما البكاء في الصلاة ففيه تفصيل عند الفقهاء لا بد من معرفته حتى لا يعرض المصلي صلاته للبطلان وهو لا يشعر، وقد ذكر أصحاب الموسوعة الفقهية مذاهب الفقهاء في المسألة، فقالوا: يرى الحنفية أن البكاء في الصلاة إن كان سببه ألما أو مصيبة فإنه يفسد الصلاة، لأنه يعتبر من كلام الناس، وإن كان سببه ذكر الجنة أو النار فإنه لا يفسدها، لأنه يدل على زيادة الخشوع، وهو المقصود في الصلاة، فكان في معنى التسبيح أو الدعاء، ويدل على هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه كان يصلي بالليل وله أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
وعن أبي يوسف أن هذا التفصيل فيما إذا كان على أكثر من حرفين، أو على حرفين أصليين، أما إذا كان على حرفين من حروف الزيادة، أو أحدها من حروف الزيادة والآخر أصلي، لا تفسد في الوجهين معا، وحروف الزيادة عشرة يجمعها قولك: أمان وتسهيل.
وحاصل مذهب المالكية في هذا: أن البكاء في الصلاة إما أن يكون بصوت، وإما أن يكون بلا صوت، فإن كان البكاء بلا صوت فإنه لا يبطل الصلاة، سواء أكان بغير اختيار، بأن غلبه البكاء تخشعا أو لمصيبة، أم كان اختياريا ما لم يكثر ذلك في الاختياري، وأما إذا كان البكاء بصوت، فإن كان اختياريا فإنه يبطل الصلاة، سواء كان لمصيبة أم لتخشع، وإن كان بغير اختياره، بأن غلبه البكاء تخشعا لم يبطل، وإن كثر، وإن غلبه البكاء بغير تخشع أبطل، هذا وقد ذكر الدسوقي أن البكاء بصوت، إن كان لمصيبة أو لوجع من غير غلبة أو لخشوع فهو حينئذ كالكلام، يفرق بين عمده وسهوه، أي فالعمد مبطل مطلقاً، قل أو كثر، والسهو يبطل إن كان كثيراً، ويسجد له إن قل.
وأما عند الشافعية، فإن البكاء في الصلاة على الوجه الأصح إن ظهر به حرفان فإنه يبطل الصلاة، لوجود ما ينافيها، حتى وإن كان البكاء من خوف الآخرة، وعلى مقابل الأصح: لا يبطل لأنه لا يسمى كلاما في اللغة، ولا يفهم منه شيء، فكان أشبه بالصوت المجرد.
وأما الحنابلة فإنهم يرون أنه إن بان حرفان من بكاء، أو تأوه خشية، أو أنين في الصلاة لم تبطل، لأنه يجري مجرى الذكر، وقيل: إن غلبه وإلا بطلت، كما لو لم يكن خشية، لأنه يقع على الهجاء، ويدل بنفسه على المعنى كالكلام، قال أحمد في الأنين: إذا كان غالبا أكرهه، أي من وجع، وإن استدعى البكاء فيها كره كالضحك وإلآ فلا.
والله أعلم.