الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإننا لم نقف على حديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع اللقمة في فم عائشة رضي الله عنها، ولكن ثبت في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك.
وعلى فرض ثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، فهل التصريح بعدم استطاعة فعل هذا أو التصريح بترك سنة من السنن يوقع في الإثم فضلاً عن الكفر؟
فقد يتعذر على المرء الإتيان بسنة من السنن، فيتركها لا رغبة عنها، ولكن لأنه يجوز تركها، كما قال الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: والذي بعثك بالحق لا أزيد على على ذلك ولا أنقص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق.
وقوله: لا أزيد، يعني من السنن والمستحبات، وقد حكم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالفلاح إن وفَّى بذلك، وإن كانت مواظبته على ترك السنن مذمومة إلا أنه ليس بعاص بل هو مفلح ناج.
ومن أين لهؤلاء القوم الذين أطلقوا الكفر على هذا الرجل من أين لهم أنه قصد بذلك الاستهزاء.
وأما قوله: إن الله ليس بحاجه إلى رسول الله لنشر دعوته، فكلامه ليس فيه شيء من الانتقاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحق أن الله غني عن كل ما سواه، وكل شيء فقير إليه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {فاطر: 15}. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ {العنكبوت: 6}. ولو شاء الله أن يهدي الناس جميعاً لفعل سبحانه، ولكن له الحكمة البالغة فهو فعال لما يريد، قال تعالى: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ {يونس: 99}.
وقال تعالى: لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء {البقرة: 272}.
فالهداية من الله وقد جعل الرسل سبباً لها.
واعلم أخي السائل أن الحكم على شخص معين بالكفر إن فعل مكفراً ليس بالأمر الهين لما سوف يرتب على ذلك من آثار، وقد سبق أن بينا حكم تكفير المعين في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4132، 52765، 53784، 53835.
وأما احتجاجهم بكلام القاضي عياض فكلامه في حق ساب الرسول صلى الله عليه وسلم والمنتقص له، قال ابن تيمية في الصارم المسلول: قال القاضي عياض: جميع من سب النبي أو عابه أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرَّض به أو شبههه بشيء على طريق السب له والإزراء عليه أو البغض منه والعيب له فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب... إلى أن قال: وكذلك من لعنه أو تمنى مضرة له أو دعا عليه أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم أو عيب في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور، أو عيره بشيء مما يجري من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوار من البشرية الجائزة والمعهودة لديه، هذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن أصحابه وهلم جرا. اهـ
وقد سبق أن بينا أن كلام هذا الواعظ على الظاهر ليس فيه سب ولا تنقيص ولا شيء مما ذكر في كلام القاضي.
وأما تكفيرهم لمن لم يكفر الرجل أو دافع عنه فمن ضلالهم، لأن كلام أهل العلم في كفر من لم يكفر الكافر المجمع على كفره كاليهود والنصارى قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: الثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر. اهـ
فالواجب عليك النصح لهم وتحذيرهم من عاقبة تكفير المسلمين وتحريف كلام أهل العلم ، ويمكن أن ترشدهم إلى فتاوى الشبكة الخاصة بضوابط التكفير عن طريق العرض الموضوعي على الصفحة الرئيسية.
والله أعلم.