الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رعاية المسافر لأمه المريضة نفسيا

السؤال

والدتي مريضة نفسياً بما يسمى الهوس الاكتئابي، ويأتي المرض على مراحل من السكون ثم الشدة التي تعرض والدتي للهذيان العقلي وتصور ما ليس موجودا والخروج للشوارع وعدم إدراكها أنها مرتدية ملابسها أم لا ومقاتلة الجيران وطرق أبوابهم والكثير ...حاولنا علاجها منذ 7 سنين ونحن نتنقل من طبيب إلى آخر ، يذهب المرض وتصبح في حالة السكون أي أنها مكتئبة لا تخرج من البيت ولا تعمل شيء لكنها لا تحدث مشاكل ثم تعود شدة المرض فتعاود الحالة السابقة، ليس لوالدتي أحد غيري فأنا وحيد وخالاتي وأخوالي تبرؤوا منها ولم يعتن بها أحد غيري، اضطررت للسفر من بلدي لمشاكل قانونية قاهرة ليس لي يد فيها وأنا مظلوم فيها، فبقيت والدتي وحيدة ليس لها من يرعاها من البشر (وأعلم أن الله كان يرعاها)، ولكن تصلني الأخبار بحدوث المشاكل وأن حالتها مستمرة، فهل يحق لي توكيل أحد لوضعها في مستشفى للأمراض النفسية حتى يفرج الله هذه الكربة، وهل أكون عاقاً إذا فعلت ذلك، مع العلم بأنني لا أستطيع استقدامها للبلد الذي أنا فيه لأسباب مادية ولا أستطيع الرجوع لبلدي في الوقت الحاضر لأني غارق في الديون؟
أسأل الله أن يفرج كربتي وكربات أمة الإسلام.. آمين

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله أن يلطف بأمك هذه وأن يجعل ما تعانيه سببا لغفران ذنوبها . ونوصيك أنت أن تحرص على الإحسان إليها بالحرص على ما يسرها ، والبعد عما يسوؤها قولا وفعلاً ، ففي الحديث الشريف : رغم أنف ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف قيل من يارسول الله ؟ قال : من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة . رواه مسلم وأحمد . وتذكر أخي في الله ما تحملته والدتك من المشاق والمتاعب بسببك أيام الحمل والوضع والرضاعة والحضانة حتى كبرت، أفما يحسن بمن تحملت منك هذه المعاناة كلها مع كمال الحب لك والعطف والرحمة والرفق والحرص على مصالحك أن تحرص أنت بعد ضعفها على الرفق بها والإحسان إليها والتلطف بها والعناية والرحمة بها والقيام بمصالحها .

وإن الله تعالى أكد الوصية بالأم خصوصاً ، وذكرنا بما عانته فقال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان: 14 } وقال تعالى : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا {الأحقاف: 15 }

فعليك أخي في الله أن تحرص على رضاها ففيه رضا الله وفي سخطها سخط الله كما في الحديث : رضا الله في رضا الوالدين ، وسخط الله في سخط الوالدين . رواه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه الألباني . وعليه فإنا ننصحك بالمجيئ إليها والقيام بشؤونها إن أمكن ذلك . وإن كنت لا تستطيع ذلك لما ذكرته من ظروفك، فإن أمكنك أن تتزوج إحدى قريباتك لتجعلها معها وكانت تلك الزوجة راضية بانفصالك عنها طيلة المدة التي لا تستطيع فيها العودة إلى بلدك ، وكنت ترسل إليها ما تحتاجه لنفسها ولأمك ، كان هذا الحل أولى من وضعها في مستشفى الأمراض النفسية من غير أن يكون معها من يقوم بحاجاتها ، وإذا لم تجد أي حل غير الحل الذي سألت عنه ـ وضعها في مصحة الأمراض النفسية ـ فلا مناص إذًا من الأخذ به لأنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني