السؤال
سؤالي عن التعاملات الجمركية وهو أني أسلم مخلصا جمركياً بوليصة الشحن التى هي باسم شركتي مع مستندات الشركة وأتفق معه على مبلغ محدد كأن يكون 5000 دينار مثلاً وليس لي علاقة بقيمة الجمرك وباقى مصاريف المنولة والعمال والنقل من الجمرك إلى المخازن وما إلى ذلك من مصاريف علماً بأنه زادت التكلفة وأصبحت 6000 أو كانت 2000 فلا علاقة لي بذلك ؟
أفيدونا جزاكم الله ألف خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمعاملة التي ذكرتها في السؤال بينك وبين المخلص الجمركي لا تخلو من حالتين :
الأولى : أن يكون للمخلص الجمركي الذي تعاقدت معه جاه ( سلطة أو شفاعة ) عند الجهة التي سيتعامل معها ، فيجوز له أخذ أجرة مثله ثمنا لجاهه إذا كان يحتاج في هذا إلى نفقة أو تعب أو سفر ، ولم يكن فيه اعتداء على حق الغير ، فقد عرف العلماء الجاه بأنه بذل شخص جاهه أو نفوذه أو صلاحية تختص به وبمن هو مثله ــ في سبيل حصول آخر على ما هو من حقه لولا عروض بعض العوارض دونه ، بشرط ألا تستند هذه العوارض إلى سبب شرعي ملزم .
ومن أوضح الأمثلة لذلك سعي الوجيه عند الظالم في رفع الظلم عن المظلوم ، وقد اختلف العلماء في أخذ ثمن هذا السعي بين قائل بالتحريم بإطلاق ـ إن ضم إلى السعي تعب من سفر أو غيره أم لم ينضم إليه ـ وقائل بالكراهة بإطلاق كذلك ، ومفصل فيه بأنه إذا كان ذو الجاه يحتاج إلى نفقة أو تعب أو سفر جاز له أخذ أجرة المثل وإلا فلا .
ولعل القول بالتفصيل هو الراجح كما قدمنا ، قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير : سئل أبو عبد الله القوري عن ثمن الجاه؟ فأجاب بما نصه: اختلف علماؤنا في حكم ثمن الجاه فمن قائل بالتحريم بإطلاق ، ومن قائل بالكراهة بإطلاق ، ومن مفصل فيه وأنه إن كان ذو الجاه يحتاج إلى نفقة وتعب وسفر فأخذ أجرة مثله فذلك جائز وإلا حرم . اهـ. قال أبو علي المسناوي: وهذا التفصيل هو الحق . انتهى
ولا يضر في هذه الحالة أن تكون الأجرة معلومة أو غير معلومة إذا قامت المعاملة على المسامحة ، فتصح المعاملة سواء علم المخلص ما سيبقى له أم لا ، قال الدسوقي أيضاً : وفي المعيار أيضا سئل أبو عبد الله العبدوسي عمن يحرس الناس في المواضع المخيفة ويأخذ منهم على ذلك؟ فأجاب جائز بشرط أن يكون له جاه قوي بحيث لا يتجاسر عليه عادة ، وأن يكون سيره معهم بقصد تجويزهم بحيث لا لحاجة له، وأن يدخل معهم على أجرة معلومة، أو يدخل على المسامحة بحيث يرضى بما يفعلونه له . اهـ
الثانية : أن لا يكون للمخلص الجمركي جاه عند الجهة التي يتعامل معها لتخليص البضاعة ، وإنما هو مجرد شخص عادي يتابع معاملات الغير لا لجاهه بل لكونه أمهر منهم في السعي لتخليصها وإنهاء ما يتصل بها من إجراءات ، وفي هذه الحالة تكون المعاملة بالصورة المذكورة معاملة باطلة في قول جماهير الفقهاء، سواء قلنا إنها إجارة أو قلنا إنها وكالة بأجرة ، لأنه يشترط في الحالتين أن تكون الأجرة معلومة ، وجهالة الأجرة واضحة في الصورة التي ذكرتها ، إذ لا يدري كم ينفق على تخليص البضاعة وكم يبقى له أجرا .
وبناء على بطلان هذه المعاملة يكون للعامل أجرة مثله بعد خصم النفقات التي أنفقها على تخليص البضاعة وحملها ونقلها ونحو ذلك .
ففي الفتاوى الهندية ، وهومن كتب الحنفية : وإن استأجر ليعمل له كذا ولم يذكر الأجر ، أو استأجر على دم أو ميتة لزم أجر المثل بالغا ما بلغ . انتهى
وفي حاشية الدسوقي ، وهو من كتب المالكية : من فروع المسألة ما يقع كثيراً : يخدم الشخص عند آخر يطعمه ، فيرجع عليه بأجرة مثله ، ويرجع الآخر عليه بما أنفقه عليه . انتهى .
والله أعلم .