السؤال
أرسل لك شيخنا هذه الرسالة وأنت آخر أمل لي في أني أرجع مثل ما كنت في وضوئي وأن أرجع مثل الناس الذين من حولي، أجد نفسي مختلفة عن من هم حولي، وأجد نفسي موسوسة وأهلي أيضا يقولون إني موسوسة, الكل من حولي لا يعانون مثل ما أعاني، أنا في وضوئي أعاني من الشك في ناحيتين، الأولى وهي أني ليس كل مرة بل أغلبية المرات عندما أتوضأ أشعر بشعور خروج ريح وإذا قررت أن أظل بوضوئي إلى الصلاة القادمة على الغالب ينتابني الشعور فوراً بخروج ريح وأظل أترقب حركاتي حتى لا يخرج ريح ومن إطلاعي على الفتاوي في هذا الموضوع قرأت حديثا بما معناه لا يغادر أحدكم المسجد إلا إذا سمع صوتا أو شم رائحة أي لا يعيد أحدكم وضوءه إلا إذا سمع صوتغ أو شم رائحة، وبعد أن قرأت الحديث أصبحت لا أعيد وضوئي إلا إذا سمعت صوتا أو شممت رائحة، ولكن أفكر وأقول تخيلي أن هذا بالفعل ريح ليس له رائحة لذا لم أشم رائحة، وأقول ربما أنا دائما أشعر بريح لأني أعاني من الإمساك وتخيلي أن وضوئي انتقض وصلاتي لن تقبل وأجلس أفكر مرات قبل وأثناء وبعد الصلاة في وضوئي وكل أهلي وصديقاتي لا يوسوسون هكذا ولا يشعرون بخروج ريح عند انتهائهم من الوضوء ويصلون أكثر من صلاة بنفس الوضوء, أنا دائما عندما أتوضأ أو عند انتهائي منه أشعر بخروج ريح، وإذا توضأت كلما أحسست بهذا فاعلم أني سأتوضأ دائما وليس في كل فرض مرتين كل صلاة، سؤالي الأول: هل إذا أحسست بهذا الشعور اتجاهله مهما اقتنعت أنه ريح لا أتوضأ إلا إذا سمعت صوتا أو شممت رائحة؟ أما المشكلة الثانية وهي أني إعاني من السائل الذي يخرج من فرج المرأة وأعرف أنه ينقض الوضوء لذا أتوضأ كل صلاة وإذا ذهبنا إلى إ مكان كحديقة أومركز أو مدينة تبعد عنا ساعتين للترفيه أنا الوحيدة التي أتأخر في صلاتي أو أعيد وضوئي وكل من حولي لا يعيدون وضوءهم وأجد صعوبة في ذلك لأني أنا الوحيدة التي أضطر لتجديد وضوئي وهم يقولون الله رحيم ونحن لسنا في المنزل فلا بأس من الصلاة بنفس الوضوء حتى لو خرج السائل وأحس الذين من حولي يقولون (هذه ولا مرة نامت متوضئة) وكل أهلي وخالاتي وبناتهم يعرفون أني أتوضأ كل صلاة ولا أظل بوضوئي للصلاة القادمة, وجدتي تقول لي لا تكوني موسوسة إن الموسوسين كانوا إخوان الشياطين, وأيضا أنا سوف أتزوج بعد أسبوعين وسأعيش عند أهل زوجي وأخاف هم أيضا يقولون إني موسوسة، سؤالي الثاني هو: هل إذا خرجنا إلى مكان أصلي مثلاً بنفس الوضوء حتى إذا خرج سائل، وإذا كنا معزومين على عرس أو مناسبة جميع الحريم يصلون بنفس الوضوء الذي توضأن به في بيوتهم؟ سؤالي الثالث هو: ماذا أفعل أنا هل أصلي بنفس وضوئي رغم السائل الموجود أم أصلي ثم أعيد صلاتي مرة أخرى عند عودتي للمنزل أو أزيل مكياجي وأنا سأصبح متزوجة بعد أسبوعين والمتزوجة عندنا تضع مكياجا يصعب إزالته عند الناس ويصعب إعادته بعد الوضوء، فهل أزيله غير كل النساء وأصلي إذا نزل جميع النساء سيستغربن، أنا أصبحت أخاف من أن أحدا يعزمنا بسبب هذه المشكلة لأني أشعر بالإحراج والكل سيقول موسوسة، ماذا أفعل، وحتى إذا كنا في المنزل أتمنى أتمنى أن أصلي بنفس وضوئي للصلاة القادمة مثل أهلي، لكن لا أستطيع لأني بعض الأحيان أحس بوجود كمية بسيطة من هذا السائل فأعيد وضوئي؟
سؤالي الرابع: إذا شعرت بكمية بسيطة جداً هل أعيد وضوئي، وبعض الأحيان أقول ربما يكون في فرجي كمية من السائل وأجلس أفكر وأحرك فخذي حتى أتأكد وأحس هل يوجد سائل وأقول وما أدراني ربما يوجد وأذهب وأعيد وضوئي، ولكن أحيانا يكون بالفعل يوجد ومرات لا يوجد شيء؟ سؤالي الخامس: ما رأيك شيخنا في هذه الحالة الأخيرة، أنا أعلم أن الإسلام دين يسر، ولكن أستغفر الله أجده في منتهى الصعوبة في هذه المسألة، وهي مسألة السائل هذا مرات أحس نفسي معقدة، وللعلم أنا كنت كباقي الناس في وضوئي، ولكن من الوقت الذي قربت فيه من الله بالأعمال وبالسنن والدعاء وغيره أصبحت أشك وأعاني في وضوئي وأقول في نفسي ربما هذا من عمل الشيطان حتى يبعدني من ربي ويوسوس لي من باب أني يجب أن أخاف الله وأن وضوئي منقوض حتى يبعدني من الله وأنا مازال عمري 18 سنة، وإذا استمررت ربما أزيد، أرجوك أرجوك شيخنا ضع نفسك في عمري وفي أني فتاة أرى أهلي وجميع الفتيات لا يعانون هكذا ومسألة الوضوء شيء عادي أراهم يتوضؤون أحيانا مرة كل فرض وهذا نادر، لكنه يحدث وأحيانا مرة كل فرضين وأحيانا أكثر على حسب الظروف، وإذا خرجوا يصلون بنفس وضوئهم بجاه النبي ضع نفسك مكاني وحاول أن تحس بما أحسه وأعاني ولا تمر على سؤالي كباقي الأسئلة، وإن ردك علي هو أملي الوحيد أن أعود كما كنت، أرجوك لا تحلني لأجوبة سابقة أبداً ورد على كل أسئلتي وبأسرع وقت ممكن لأني سأتزوج وسأسافر ولا أستطيع فتح النت وأنا مسافرة، وطلب أخير لا ترسل الجواب على الإيميل لأني أخاف أن يراه أحد، أرجوك اجتهد في جوابي، ولكن إن شاء الله يكون في ميزان حسناتك؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يمن عليك بالشفاء عاجلاً غير آجل، وأن يشرح صدرك وينور قلبك ويرزقك الراحة والطمأنينة، واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن الله رحيم بعباده، وشرع لهم دينا سهلاً ميسراً يناسب جميعهم.
والشيطان الرجيم اللعين هو الذي يسعى جاهداً في التضييق عليهم وإدخال الحرج والمشقة عليهم بالوسوسة التي هي مرض يعتري الشخص، ويأتي إليه بصورة أفعال وأفكار تتسلط عليه وتضطره لتكرارها، وإذا لم يكرر الفعل أو يتسلسل مع الفكرة يشعر بتوتر وضيق وعدم صحة ما فعل، ولا يزول هذا التوتر إلا إذا كرر الفعل، وتسلسل مع الفكرة، فهو إذاً المبالغة الخارجة عن الاعتدال، فقد يفعل الأمر مكرراً له حتى يفوت المقصد منه، مثل أن يعيد الوضوء مراراً حتى تفوته الصلاة، ويعيش في ضيق وكرب، وربما ترك العمل بالكلية وهذا هو هدف الشيطان من تلك الوسوسة، وللتغلب على هذه الوساوس عليك بفعل الآتي:
1- الالتجاء إلى الله تعالى بصدق وإخلاص في أن يذهب الله عنك هذا المرض، نادي ربك وخاطبيه وثقي به فهو كاشف الهم ومزيل الكرب.
2- الإكثار من قراءة القرآن والمحافظة على الذكر لا سيما أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، ودخول المنزل والخروج، ودخول الحمام الخروج منه، والتسمية عند الطعام والحمد بعده وغير ذلك، وننصحك بشراء كتاب الأذكار للإمام النووي ومعاودة القراءة فيه دائماً.
3- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والانتهاء عن الاسترسال مع خطواته الخبيثة في الوسوسة، وهذا من أنفع الأدوية لإذهاب الوسواس وعلاجه؛ كما هو مجرب، وقد جاء عن بعض الصالحين الذين ابتلوا بالوسواس أنه كان يقول للشيطان إذا وسوس له بعدم صحة وضوئه أو صلاته يقول له: لا أقبل منك حتى تأتيني بشاهدي عدل على ما تقول. فأعظم العلاج للوسواس هو الإعراض عنه وعدم تصديقه، فلو وسوس لك بأن وضوءك انتقض فلا تلتفتي إليه، وإذا خيل لك الإحساس بنزول سائل فلا تقبلي منه، واسمعي لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي أحدكم الشيطان فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء. رواه الترمذي.
وعن عثمان بن أبي العاص قال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. رواه مسلم.
فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم من ابتلي بهذه الوسوسة إلى الإعراض عن هذا الخاطر الشيطاني، والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه، وترك الاسترسال معه، فالتمادي في الوسوسة لا يقف عند حد، فلا تظنين أن علاج الوسواس هو تكرار الفعل بل المطلوب هو البقاء على الأصل، ومن ذلك أن الأصل بقاء الطهارة فلا تزول إلا بيقين، وقد تقرر عند العلماء أن اليقين لا يزول بالشك، ويدل على ذلك الحديث الذي ذكرتِه في سؤالك وهو دال على أنك لا تنصرفين من صلاتك ولا تحكمين بنقض طهارتك لمجرد الإحساس بخروج الريح أو السائل حتى تتيقني من ذلك تماماً، وإلا فأعرضي عن هذا الشعور والإحساس، وقد سئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب: له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها.... وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله ولينته.
فتأملي هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته، واعلمي أن من حرمه حرم الخير كله، لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقاً، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في هذه الضلالة والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يخرجه من الإسلام وهو لا يشعر. إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر:6}، ولا شك أن من استحضر طرائق رسل الله سيما نبيناً صلى الله عليه وسلم وجد طريقته وشريعته سهلة واضحة بيضاء بينة، سهلة لا حرج فيها. وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}، ومن تأمل ذلك وآمن به حق إيمانه ذهب عنه داء الوسوسة والإصغاء إلى شيطانها... وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا: داء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني، وأن إبليس هو الذي أورده عليه، وأن يقاتله فيكون له ثواب المجاهد، لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فرَّ عنه، وأنه مما ابتلي به نوع الإنسان من أول الزمان، وسلطه الله عليه محنة له ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون... وبه تعلم صحة ما قدمته أن الوسوسة لا تسلط إلا على من استحكم عليه الجهل والخبل وصار لا تمييز له، وأما من كان على حقيقة العلم والعقل فإنه لا يخرج عن الاتباع ولا يميل إلى الابتداع... ونقل النووي عن بعض العلماء أنه يستحب لمن بلي بالوسواس في الوضوء أو الصلاة أن يقول: لا إله إلا الله. فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس، أي تأخر وبعد، ولا إله إلا الله رأس الذكر. انتهى.
ومن أعظم الأسباب لعلاج الوسوسة هو مجالسة الصالحين وحضور مجالس العلم، والحذر من مجالسة أصحاب السوء أو الانفراد والانعزال عن الناس، ومن طرق العلاج أيضاً عرض موضوعك على أحد المشايخ أو طلبة العلم في بلدك والأخذ بنصائحه وتوجيهاته، وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.