الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمما لا خلاف فيه بين أهل العلم أن الربا حرام، سواء كان آكل الربا فردا أو مؤسسة أو دولة، وأن قليل الربا وكثيره حرام، ولا فرق من حيث الحرمة بين كون سداد القرض الربوي ميسرا بأقساط مريحة أو لا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الربا سبعون حوباً أيسرها أن ينكح الرجل أمه. رواه ابن ماجه وصححه الألباني. قال السندي: المراد إنها سبعون نوعاً من الإثم.. أيسرها أي أخف تلك الآثام إثم نكاح الرجل أمه. انتهى. وقال ابن المنذرفي الإجماع: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستلف هدية أو زيادة، فأسلفه على ذلك، أن أخذه الزيادة ربا. وكذلك لا فرق بين تسمية الربا باسمه أو بغير اسمه، ما دامت حقيقته موجودة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها. رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي وصححه الألباني. وقد ناقش ابن القيم حكم بيع العينة، وأورد أدلة تحريمه بتفصيل، وذكر منها مرسل الأوزعي قَال في حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع. ثم قال: ويشهد له أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها... فهذا إخبار عن استحلال المحارم، ولكنه بتغيير أسمائها، وإظهارها في صور تجعل وسيلة إلى استباحتها، وهي الربا والخمر والزنا، فيسمى كل منها بغير اسمها، ويستباح الاسم الذي سمي به، وقد وقعت الثلاثة. انتهى. وكون بعض الناس يعتقدون أن زواجهم وأمور معاشهم لا تتم في هذا الزمان إلا بتعاطي الربا، يكذبه الشرع، ويكذبه أيضا الواقع، فقد رأينا من يتقي الله ويجتنب المحارم رغم الفقر والحاجة، فيبدله الله مكان الضيق فرجا، ومكان الهم فرحا، ومصداق ذلك في كتاب الله، قوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3}، وقوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}. وأما وجود الحاجة الماسة، فهذا أمر معتبر شرعا إذا وصلت هذه الحاجة إلى درجة الضرورة، كالتي يجوز معها أكل الميتة، قال تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة: 173}، فإن أشرف الإنسان على الموت من قلة الطعام مثلا، ولم يجد ما يسد به جوعه إلا بتعاطي الربا، جاز له ذلك بالقدر الذي يدفع الضرورة فقط.. وهكذا في بقية الضرورات كالملبس والمسكن والعلاج، بشرط أن تكون الضرورة حقيقية باعتبار الشرع لا الذوق، فمثلا الذي لا يستطيع شراء منزل يسكنه، ولكنه يستطيع أن يستأجر، فليس هذا بضرورة ولا قريب منها،
والله أعلم.